كتابات

مغالبة الضعف

محمد محسن يعقوب”وكيل محافظة حجة”:
°°°°°°°°°°°°°°°
لاشيء يبدو مكتملا .. هكذا هي الفطرة والتركيبة البشرية والأسباب والسردية التاريخية ..
(ما استطعتم) هي فلسفة الاسلام للتعامل مع الأخطار ومواجهة التحديات ومغالبة المؤامرات ولي ذراع الباطل .. الممكن والمتاح في عالم الماديات..

وحتى في تحمل الحقوق الاجتماعية والأسرية (لايكلف الله نفسا إلا ما آتاها) ..
وحتى في منهجية التغيير وإدارة الصراع الفكري والسياسي والعسكري “من رأى منكم منكرا …. فإن لم يستطع ” .. فما بين رؤية المنكر واتخاذ قرار تغييره مسافة مداها الاستطاعة في اتخاذ الأدوات و تقدير حالة المنكر زمانا ومكانا واولوية تغييره من عدمها.

ولم تراعى حالة الاستطاعة في مواطن محددة فأتت الاوامر الربانية فيها مجردة من ذكرها او الإشارة إليها لحساسية وخطورة ومصيرية الزمان والمكان والحال الذي يصعب أن تجد فيه مساحة لطرح هذا المصطلح أو الإشارة إليه..

فحين كان عذر أقوام استمسكوا بالبقاء في أرضهم وديارهم وأهليهم تحت سلطة طاغية تحول بينهم وبين حريتهم وحقوقهم الانسانية السوية .. أنهم كانوا لايستطيعون سوى البقاء في مربع الاستضعاف وأن الخروج منه مخاطرة.. هنا رفض القران تلك الحسابات واعتبرها حسابات خائبة خاسرة فناقشهم بطريقة فيها تقريع وتقليل من حالة الاستضعاف تلك وتهوين من الوضع الذي استصعبوا فيه مغالبة الضعف وكسر قيود الحالة السياجية التي وضعوا انفسهم فيها بقبولهم بسلطان الظلمة والتعايش معه بقوله سبحانه (فيم كنتم ؟ قالوا كنا مستضعفين في الارض قال لم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها..) فلا اعتبار لمسقط الرأس وحنين الروح إلى الأرض وعدم القدرة على ترك الذراري والأرحام واستعظام ترك مكتسبات العمر من مسكن ومصالح ومصادر رزق وعلاقات بنيت بجهد السنيين .. لكن هذه وغيرها لا وزن لها في ميزان القرآن إذا كان المقابل فقدان الحرية وتعطيل الفاعلية البشرية وعدم قدرة العبد للقيام بمهمة الاستخلاف واعمار الارض.

وفي صورة أخرى جاء الامر بالثبات المجرد من أي استثناء عند زحف العدو (فاثبتوا) (فلا تولوهم الأدبار) فلا متاح هنا سوى مغالبة الضعف والتصبر والقيام بسد الفراغ والمواجهة التي لا تعير اهتمام للحسابات الانسانية الأخرى .. وعلى رأسها قيمة الحياة وإن كان لك صغارا ونساء سيتضرروا من غيابك .. فالزحف المعادي مفاسده أكبر وفرض سلطته على البشر والجغرافيا فتنة (والفتنة أشد من القتل).

هكذا مضت سنة الله في الأرض وكتب على صانعي التحولات العظيمة أنهم ينبتون في حالة جدب الأمة ويرفعون رايات أحلامهم في حالة تهدم مقاومتها وقد تكون في حالة تستوي فيها معادلة البقاء والفناء و الحياة و الموت .. حتى يتسرب الشك ويقول رسول مؤيد بالوحي وثلة مؤمنة معه اكلتهم الخطوب وأنهكتهم الحروب واخذت قساوة العيش منهم زهرة أعمارهم كما حكى الله عنهم ( حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله) .. ولولا الوصول إلى هذه النقطة الحرجة التي تستفز مكامن القوة وتشعل عاصفة التمرد وتفجر طاقات التحرر وتمنح المستضعف شجاعة تسخر من الأهوال وتستهزأ بحسابات المستكبرين العتاة وتثبت أمام أعاصير ودمار وهول القوة التي يمتلكونها ..لما تغير في الدنيا منكر ولا انتهى من على الارض ظالم..

إنها ثقافة الفدائية المبصرة تجعل من المظلوم كائن خارق يتسلق الأخطار ويتخطي الحسابات ويهزم الضعف ويغالب القيود ويكسر المصاعب.
والأهم أن هذه الحالة الثورية والطاقة المذهلة تبدأ من يقظةالباطن ووثبة الإيمان وإشراق الفكر و تبدد ظلمات الوهم واتقاد الذهن وسداد الرأي ..

إن معركة مغالبة الضعف في حقيقتها معركة نفسية داخلية هي في جوهرها حالة من التجرد الكامل من الأهواء والتزام مطلق بالنهج والقيم وقطع تام للنفس “بالدنيا” كمصطلح عام وشامل يضم في جوفه كل زائل وفان وشهوة وغرور .. والثقة في نصر الله وقوته المطلقة وإتقان حالة الإنكسار ببابه واللوذ بجنابه لستمداد ذلك النصر واستحقاقه (إن ينصركم الله فلا غالب لكم) فحسم الميدان وإفشال المخططات وفك عقد التآمر محصورة في قوله (فلا غالب لكم).. إن تجسيد تلك المعاني الربانية الوضاءة في ميدان المغالبة هي واجب العبد كحالة شرطية الزامية للوصول إلى الغلبة الطلقة فكل مواجهة مع الطغيان والظلمة اكد القرآن الكريم على ضرورة أن يكون القلب متمثل لهذه القيم ويمارسها كسلوك قلبي وجداني لأنه محل نظر الله وعلمه فقد قال سبحانه (فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا) .. فما كان الفتح إلا ثوابا لتلك الحالة الراقية من نقاء السريرة وتجرد الروح وتطهره وإقباله على الله .. فبمجرد علم الله بوصول عباده لتلك المنزلة سيمنحهم النصر والغلبة حتما..
أعوذ بك اللهم من ثقافة الضعف وأغلال الوهن
وانكسار الهمم .. وخور العزائم .. وسلطة العاجزين والمحبطين..
و أعوذ بجلالك من التعلق بالترهات
ومتاهة الغفلة والسير في درب الهوى
والاستخفاف بالتقصير
وأعوذ بك من نوم الخلص .. ومن يقظة الزائغين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى