أخبار محلية

الإعلام اليمني والمسؤولية الوطنية في مواجهة الانقلاب الحوثي(قراءة في خطاب العديني)

حجة برس – متابعات:

في أوقات الأزمات الوجودية، تصبح الكلمة مسؤولية لا تقل شأنًا عن القرار السياسي. وإذا كان السياسيون يتحملون عبء إدارة المعركة على الأرض، فإن الإعلاميين والصحفيين والمؤثرين يتحملون عبء المعركة على وعي الناس وروحهم المعنوية.

هذه المسؤولية لا تعني التضييق على حرية التعبير أو المساس بالمهنية، بل تعني إدراك أثر الكلمة في زمن الحرب. ففي ظل التوازن الدقيق بين الحق الدستوري في التعبير والمسؤولية الوطنية، يبرز خط فاصل يجب احترامه. وهذا ما حرص الناطق باسم التجمع اليمني للإصلاح، عدنان العديني، على التذكير به في رسالته الأخيرة، الداعية إلى ترشيد الخطاب الإعلامي بما يخدم معركة استعادة الدولة.

 

وانطلاقًا مما سبق، فإن القضية التي طرحها العديني تفتح الباب أمام سؤال جوهري نحاول مقاربته في هذا القراءة التحليلية: كيف يمكن الموازنة بين حرية التعبير باعتبارها حقًا دستوريًا أصيلاً، والمسؤولية الوطنية باعتبارها واجبًا حتميًا في ظل معركة استعادة الدولة؟

 

*استشعار المسؤولية ضرورة لا ترف*

 

في هذا السياق، لا بد من التذكير بأن الانقلاب الحوثي ليس مجرد خلاف سياسي عابر، بل مشروع عنيف يهدد بنية الدولة اليمنية وسلامة المجتمع برمته. لذلك، فإن أي خطاب إعلامي يقلل من خطورة هذا الانقلاب، أو يحوّله إلى قضية ثانوية هامشية، هو في جوهره هدية مجانية تُسهم في تعزيز هذا المشروع التدميري.

 

من هنا، يصبح واضحًا أن النقد – مهما كان حقًا وواجبًا – يجب أن يحافظ على حدوده، وأن يبتعد عن التشهير والسخرية من قيادات الشرعية ومؤسساتها في زمن الحرب، لأن ذلك ينحدر إلى مستوى شخصنة الخلافات وتغذية الانقسامات، مما يُضعف الجبهة الوطنية الموحدة التي تستهدف هزيمة الانقلاب واستعادة الدولة.

 

*قراءة في مضامين رسالة العديني*

 

تُظهر رسالة العديني، التي نُشرت عبر حسابه على منصة “إكس”، أنها أكثر من مجرد دعوة لضبط الخطاب الإعلامي؛ فهي تنبيه إلى أمرين بالغَي الأهمية: الأول داخلي، ويتمثل في خطاب التشويه والسخرية الموجه ضد مؤسسات الشرعية ورموزها، من رئيس مجلس القيادة الرئاسي إلى مختلف المكونات الوطنية، وهو خطاب يتجاوز أحيانًا إطار النقد المهني ليُضعف الثقة الوطنية العامة.

 

أما الثاني، فيرتبط بالعلاقات الحساسة مع الحلفاء الإقليميين، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية ودول التحالف العربي، تلك العلاقات التي تُعدّ رافعة أساسية لبقاء مؤسسات الشرعية وقدرتها على مقاومة الانقلاب.

 

*البُعد الوطني والسياسي للرسالة*

 

في كل دولة تمر بحرب وجودية، تتصدر المصلحة الوطنية قائمة الأولويات التي توجه أدوار مؤسساتها، لا سيما الإعلام. وفي اليمن، في هذه اللحظة الفارقة، تتمثل المصلحة الوطنية في ثلاثة مسارات متداخلة: الحفاظ على وحدة الصف الوطني في مواجهة الانقلاب الحوثي، تعزيز ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة، وحماية الشراكات الإقليمية الداعمة للشرعية.

 

ومن هذا المنطلق، يذكّرنا خطاب العديني بأن الإعلام في زمن الحرب لا يمكن أن يعمل بمنطق “الساحة المفتوحة بلا ضوابط”، بل يجب أن يُدار بوعي استراتيجي يحدد أين وكيف تُوجَّه الجهود الإعلامية، مع احترام الاختلافات الداخلية دون منح الخصوم انتصارات مجانية تُعزز مشروعهم العدائي.

 

*التحديات والتصور العملي للإعلاميين*

 

لا يمكن إغفال حجم التحديات التي تواجه الإعلام اليمني اليوم، والتي تتشكل من عدة عوامل، أبرزها: تعدد المنصات الإعلامية وتباين الخطاب تبعًا للولاءات السياسية والحزبية، مما يؤدي إلى رسائل متضاربة تُربك الجمهور.

يُضاف إلى ذلك ضعف المهنية في بعض المحتويات الإعلامية، نتيجة نقص التدريب والتأهيل، مما يُفضي إلى خلط بين الرأي والخبر، أو تداول اتهامات غير موثقة. كما يُعد الخطاب السائد في وسائل التواصل الاجتماعي، والذي يتسم غالبًا بالتهيج والسخرية، عاملًا إضافيًا يُعقّد المشهد الإعلامي ويُضعف رسالته الوطنية.

في هذا الإطار، يبرز سؤال جوهري: ما الدور الحقيقي الذي يجب أن يضطلع به الإعلاميون ووسائل الإعلام في الوضع الراهن؟ الإجابة تكمن في تبنّي خطة عملية ترتكز على ركيزتين أساسيتين: المهنية والمسؤولية الوطنية.

 

فالمهنية تقتضي التزامًا صارمًا بالتحقق من صحة المعلومات، واحترام قواعد العمل الصحفي، مع الفصل الواضح بين الرأي والخبر. أما المسؤولية الوطنية، فتتطلب وعيًا تامًا بتأثير الكلمة، خصوصًا في ظل حرب مستعرة، مما يستدعي تجنّب كل ما يمكن أن تستغله الميليشيات الحوثية في دعايتها التدميرية.

 

إلى جانب ذلك، ينبغي أن يتبنى الإعلام خطابًا تعبويًا إيجابيًا، يُبرز تضحيات الجيش والمقاومة، ويروي قصصًا إنسانية من المناطق المحررة، مع تقديم رسائل تُحفّز على المشاركة الوطنية وتبعث الأمل، بدلًا من نشر الإحباط أو التهكم الذي يُضعف الروح المعنوية. أما النقد، فهو ضرورة، لكنه ينبغي أن يتم ضمن أطر مؤسسية، تراعي قواعد الحوار البنّاء، لا من خلال التشهير أو السخرية التي تُلحق الضرر بالهدف الوطني المشترك.

 

هذا يتطلب فتح مساحات للحوار بين مختلف المكونات الوطنية، في إطار يحفظ الوحدة ويركّز على الهدف المشترك. كما ينبغي أن يحظى دعم الشراكات الإقليمية بحماية إعلامية واعية، من خلال إبراز الدعم الحقيقي الذي تقدمه دول التحالف، وتفنيد الدعايات المضللة التي تستهدف هذه العلاقات، لكشف الدوافع الخفية وراء الحملات المعادية.

 

ولتنفيذ هذه المبادئ بفاعلية، لا بد من توحيد الرسالة الإعلامية عبر إنشاء تنسيقية أو مجلس إعلامي وطني، يضم ممثلين من وسائل الإعلام الداعمة للشرعية، لتنسيق الجهود وتوجيه الخطاب الإعلامي ضمن رؤية موحدة.

في المحصلة النهاية، ينبغي ألا تُفهم رسالة العديني كدفاع عن شخص أو حزب، بل كدعوة صادقة وموضوعية إلى إدراك حقيقة لا تقبل المساومة: أن بقاء الدولة اليمنية ونجاح معركة استعادةها، مرهون بقدرتنا على إدارة المعركة الإعلامية بعقلانية ومسؤولية، بعيدًا عن الفوضى، ومن أجل وطن موحد، متماسك، قادر على الصمود واستعادة سيادته.

//نقلا عن الصحوة نت//

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى