كتابات

إصلاحيون على العهد.

جمال أنعم :

ليس سهلا تخلي رجل تربى وعاش عمره في محضن كبير تشكل فيه وعيه ووجدانه وانفتحت مداركه وصار بعضا من شخصيته وروحه وتاريخه ودوال حضوره.�الأمر مرتبط بأشواق وحنين ووشائج وعلائق روحية وإنسانية وجودية من الصعب نسيانها أو التعامل معها بإنكار ورميها ببساطة لحظة حنق أو تذمر أو عند نشوب خلاف.�لم يكن يوما على الحافة بل في قلب الإعتراك.شارك في مؤتمر التأسيس الأول كعضو مؤسس وهو الشاب اليافع خريج الجامعة المزهو بمشاركته الباكرة رفقة الأباء المؤسسين.

لهذا بقي لديه الإصلاح ذلك التنظيم الشاب الذي يكبر في الفعل والحضور دون أن يهرم أو يشيخ.�اقتربت من دوائر صنع القرار داخل الحزب بما يكفي كي أعرف الكثير مما ألوم عليه وأعذر، ولقد ابتعدت فترة عن الحياة التنظيمية والنشاط الداخلي لكني لم انقطع عن العمل الحزبي العام ولم أتوقف عن السير كإصلاحي صميم.
التحزب في عوالمنا ميراث عقائدي صعب، اتذكر كاتبا مرموقا في لحظات خاصة تحدث بشجن ذابح عن شخصيات في التنظيم الوحدي الناصري كان لهم عليه تأثير وسلطان، وبرغم وجع الترك وألم نكران رفاق الدرب�لم يتمالك نفسه ،عن الإجهاش بأسى دامع .

تمنيت أن اكون متخففا الى درجة أن القي بالرجل الذي كنته ورائي لأعدو جديدا خفيفا بلا ثقالات، ولا أزمة ذاكرة، ولا درب من اشجان ومواجيد وأخوة وحب، ولا رحلة بحث متواصلة عن الكينونة والمعنى والوجود الحي المنسجم المتماسك المتآلف المتواد والمتآزر.�تتلقاك المدائن بحب وترحاب، كل ما خطه قلمك يشرق ويزهر في الوجوه والوجهات، كلماتك تقابلك هنا وهناك، تسير معك، ترافق خطوك، تعيد ارشادك في لحظات التيه والتخبط، تواصل فعلها بقدر ما فيها من طاقة الحياة.

لم أمتن لشيئ داخل هذا التنظيم العظيم كما امتن للمحبة الغامرة وللحياة الوجدانية الخصبة الغنية، وللروابط الإنسانية الأخوية المتينة، ولنماذج ورموز عاشوا العظمة بصمت وتواضع وبساطة متناهية،�كما أشهد لهذا الحزب بالقوة والحيوية والصلابة والقدرة التنظيمية العالية، والتجذر العميق في قلب المجتمع، والروح الفدائية الواهبة، والسلوك المنضبط، والديناميكية الفائقة، والاستعداد الدائم للتطور والتغيير، والقابلية لإستيعاب الجديد، والعمل المشترك، وتجاوز مورثات الصراع، والمرونة وعدم التصلب والتخشب، والحركية الغالبة والدائبة، وأقر أن مشاكل الإصلاح ربما تكون قيادية ومنهجية وإدارية بدرجة أساسية.�لم أكن يوما إصلاحيا صالحا بمعايير رجل التنظيم، وبمقتضى اللوائح والإنظمة والتقاليد الصارمة، هذه المواضعات الشكلية لا تشهد لي، ولا تمنحني صفة الإلتزام، لكن ما أنا على يقين منه أني عشت اصلاحيا بما يكفي لكي أحب الإصلاح

والإصلاحيين.واباهي بكوني اصلاحيا على العهد كثير المحبة والوفاء .�وهنا ارجو من الأعزاء الذين يجلدون ذواتهم واصلاحيتهم السمحاء أن يقرأوني بتسامح وبصيرة وبروح قادرة على تحويل هذ الماضي الى طاقة تجاوز واندفاع للأمام . .
يخطئ في حق نفسه من ينظر الى هذا المسار كتاريخ يستحق الوصم ويستدعي التبرؤ كما لو أنه عبء مديد . الوفاء قيمة نضالية، فيض محبة، هوىً أصيل وشجنٌ موصول غير منبت، إشعاعٌ أخاذ لا يتنكر للمنابع ولا يجحد الروافد.

هو في البدء وفاء الروح للروح، أن تكون وفياً لذاتك، لأجمل وأنبل ما فيك وهو ما يعني وصولك إلى درجة من التحقق والتعين والشعور بالحضور الكبير، استحقاقك صفة أنك أنت.
الوفاء لله يبدأ من معاينة الذات ومدار السير إليه سبحانه يتأسس على مشاهدة المنة ومعاينة التقصير -بحسب ابن القيم-
وأنت في الكون ذات مجتمعة من كثير، مجمع أسرار وأشواق، هبة الخالق ومرآة الخلائق ومن لحظةٍ وفية عالية الحساسية ينبثق هذا الفيض الغامر المحتفل بالوجود . أنا الآن ذات مأخوذة تتقرى تعابير الروح تتلمس أشجانها ، تصغي إلى أضواء حبيبة تنداح من عوالم بهية تتلامع في القلب والعقل ،، تنسرب في مجرى الدم، توقظ في الحنايا ألف نبع ونبع.

أنا ها هنا ابن الحنين، ابن هذه الروح الفياضة، أنا ها هنا كلمة حب حاضرة العضوية، شكرٌ حي لكل من عبروا وأقاموا، لكل روحٍ بذرت ضوءها في الشغاف، لكل هؤلاء الممسكين بإهاب النور، لكل أولئك الذين زرعوا وتعهدوا البذار حتى أثمرت هذا المد الشفيف.
نحن هنا كد الآباء الكبار ، اعتراف حاشد بالفضل، مهرجان وفاء يحتفي بالقيمة وقد أضحت مساراً من بهاء وعطاء .
يؤكد الإصلاح مدى حيويته من خلال هذا الزخم الشبابي ويعكس بجلاء فعالية حركية في مختلف قطاعاته التنظيمية .

يحتفل الإصلاح بالذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيسه وهو واقف في الميدان مدافعا عن الجمهورية والشرعية ومقاوما الإنقلاب الحوثي ومكافحا في سبيل استعادة الدولة وداعيا للإصطفاف الوطني من أجل الخلاص ، مقدما خيرة رجالاته وكوادره في جبهات العز والشرف ، مواصلا التنافس على الفداء والتضحية متحملا عبء الكبار ومكافحا نزق الصغار .

…..
من شجن مستعاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى