أخبار دولية

«أبو عبيدة» يُشهِر جوعه.. فهل ما زال فينا حيّ؟

حجة برس – سعيد السني”الجزيرة مباشر”:

أثار المُلثم الناطق باسم كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة حماس) أبو عبيدة شجونًا، وهمومًا، وشلالًا من الغضب لدى “الشعوب العربية والإسلامية”.
عاد بعد غياب 140 يومًا، مُطِلًّا في كلمة متلفزة (مساء الجمعة)، وبدا نحيفًا، واهنًا جسديًّا، وهو ما يشي بمعاناته الجوع شأن قادة المقاومة والشعب الفلسطيني في غزة الأبية.
وقد داس جُرحًا غائرًا في النفوس، نازفًا شعورًا بالعجز، وقلة الحيلة، والبؤس الشديد، عندما فتح النار على قادة الأمة، والعلماء، والنُخب السياسية والثقافية، لتخاذلهم وتقاعسهم عن إدخال الغذاء والدواء إلى قطاع غزة، متهمًا إياهم بالشراكة في المسؤولية، بالصمت والخذلان، تجاه حرب الإبادة والتجويع التي يشنها العدو الصهيوني، بدعم أمريكي شامل وفاعل.
وفي لهجة غير مسبوقة، تعكس تفاقم المرارة والخذلان، وصفهم بأنهم “خصوم أمام الله لكل طفل شهيد، وأم ثكلى، وأن رقابهم مُثقلة بدماء آلاف الأبرياء”.
لكنه استثنى، عن جدارة، الشعب اليمني، وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، وأشاد بهم واصفًا إياهم بأنهم “إخوان الصدق”، الذين أقاموا الحجة الدامغة على القاعدين والخانعين، بأن فرضوا على العدو جبهة فاعلة.

واجب إنساني في الشرائع السماوية والدولية

لا جدال في أن إرادة غالبية أنظمة الحكم العربية مغلولة ومُقيّدة منذ أمدٍ بعيد، ولا جديد في هذا الخذلان، وإن كان -هذه المرة- صارخًا، مفضوحًا.
فالعجز عن تقديم الغذاء والأدوية لشَعب مُجَوّع، هو عار، لكونه واجبًا إنسانيًّا بالأساس، مُقَرًّا في الشرائع السماوية والقوانين الدولية، بغض النظر عن ديانة أو جنس أو عِرق هذا الشعب.. فما بالنا، وهم من بني جلدتنا؟
كل ما هنالك أن “المُلثم” أراد تسجيل هذا الخذلان، وتمزيق الأقنعة التي تستر تخاذل هذه الأنظمة، لتكون عارية أمام الشعوب العربية والتاريخ.
فهي تتقنّع ببيانات وتصريحات مائعة، لا تُغني عن كسرة خبز لجائع، أو شربة ماء لظمآن.
من المُخجل أن الغرب، رغم دعمه الفائق للاحتلال، يشهد -باستمرار- تحركات شعبية وطلابية منظمة ومتزايدة، مؤيدة للحق الفلسطيني، ومستنكرة للإبادة والتجويع، وأن ذلك لا يقع في كثير من البلاد العربية.

ارتهان للمشيئة الأمريكية.. ومقولة السادات

لماذا هذا “الخذلان العربي”؟
هناك عدة عوامل وأسباب، تتراكم وتتساند لتصنع هذا الخذلان المُثير للشفقة على أمة، كانت يومًا زاهرةً، مُضيئةً، ملءَ السمع والبصر، في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تغرق في ظلام العصور الوسطى.
أول الأسباب هو: تبعية غالبية أنظمة الحكم العربية، وارتهانها لهيمنة ومشيئة الولايات المتحدة الأمريكية، والدوران في فلكها.
وما وقر في وجدان هذه الأنظمة، واستقر يقينًا لديها، من أن استمرارها في الحكم مرهون بالرضا الأمريكي، الذي بدوره يمر عبر البوابة الإسرائيلية.
فما يُغضب إسرائيل هو -بالضرورة- يُثير غضب الإدارة الأمريكية. لذا، فهذه الأنظمة تتلافى إغضاب إسرائيل، لتظل في دائرة الرضا الأمريكي.
وبعض هذه الأنظمة تكاد تكون “وظيفية”، تؤدي أدوارًا مرسومة أمريكيًّا، وعليها تنفيذ ما يُوكَل إليها، ولو على حساب مصالح أوطانها وشعوبها.
في هذا الصدد يُحسب على الرئيس المصري الراحل أنور السادات (1970–1981م) قولته الشهيرة بأن: “إن 99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا”.
وهي المقولة التي أطلقها السادات عقب “حرب أكتوبر عام 1973″، التي كانت من المرات النادرة لوقوف العرب صفًّا واحدًا.
وهي الحرب التي انتصر فيها الجيش المصري على جيش “إسرائيل”، التي لطالما تغنّى قادتها بأن جيشها لا يُقهَر، مثلما تكفّل “طوفان الأقصى” بتحطيم أسطورة الردع الإسرائيلي (7 /10/ 2023).. لكن دون مساندة عربية.

الظهير الشعبي الغائب.. والتطبيع

ثانيًا: تفاقُم الاقتناع لدى هذه الأنظمة بالتمسك والالتصاق بالراعي الأمريكي، لكونها تمارس القمع على شعوبها، بما يجعلها عارية من “الظهير الشعبي”، الذي هو أقوى وأمضى الأسلحة، على الإطلاق، لحماية الأوطان وأنظمة الحكم المتماهية مع شعوبها.
ثالثًا: من العوامل التي تقف وراء الخذلان العربي، خشية الأنظمة الحاكمة من صعود الإسلاميين، وزيادة نفوذهم، واتساع الإيمان بفكرة وقضية المقاومة.
فغالبها يرى “حركة حماس” -بتوجهها الإسلامي- خطرًا وتهديدًا داخليًّا، لكون الإيمان بالأفكار والقضايا عابرًا للحدود والحواجز.
ومن ثم تخشى هذه الأنظمة -وجلّها مستبد- عدوى إلهام المقاومة، مطالبةً بالحريات والديمقراطية، ورفضًا للاستبداد، مع أن حماس لا قضية لها سوى مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وهو حق مشروع دوليًّا.
رابعًا: تورّط العديد من الأنظمة في التطبيع مع الكيان الصهيوني، وما يرتبط به من اتفاقات ومصالح اقتصادية وأمنية “واهية”، لكنها تمثل قيدًا يصعب عليها الفكاك منه.
هذه العوامل ترتّب عليها مجتمعة تراجع القضية الفلسطينية، وإزاحتها من بؤرة التركيز لدى الأنظمة الحاكمة، وإنْ بقيت ساخنةً في ضمير ووجدان الشعوب العربية والإسلامية.

مسؤولية حماس؟

مما يُثير الاستفزاز: تمادي “بعض” وسائل الإعلام العربية في الخذلان (تعبيرًا عن سياسات الدول المالكة)، ترديدًا للرواية الإسرائيلية، وتحميل حركة حماس المسؤولية عن الإبادة والتجويع، رغم عدوانية الكيان المعلومة، وهجماته على الكثير من بلدان المنطقة، وأحدثها غاراته اليومية على سوريا، ودفع الدروز إلى الانفصال.
فهل “حماس” مسؤولة عن هذا كله؟

قريش.. وحصار النبي في “شِعب أبي طالب”

في ثنايا خطاب المُلثم أبو عبيدة، استعادة لمشهد حصار قريش (ثلاث سنوات) لبني هاشم والمطلب، عشيرة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، في شِعب أبي طالب بمكة المكرمة، لإرغامه على التخلي عن دعوته.
فاضطر المحاصرون إلى أكل أوراق الشجر والجلود، وتوفيت منهم السيدة خديجة زوج النبي، وعمه أبو طالب، وغيرهما.
أراد أبو عبيدة، باستخدامه لصيغة “المحاصرين في شِعب غزة”، التمثُّل بحصار قريش للنبي وأصحابه في “شِعب أبي طالب”، تأكيدًا على أن الإبادة والتجويع، مهما بلغت، ومهما كان “الخذلان العربي”، فالشعب الفلسطيني (ومقاومته) في غزة هاشم (هاشم بن عبد مناف، الجد الثاني للنبي، مدفون في غزة)، سينتصر، ويبقى مرفوع الهامة، تمامًا مثلما انتصر النبي محمد في نهاية المطاف، وبقيت دعوته.
وهذه هي الرسالة الأهم في خطاب المُلثم، ولا ينال من أهميتها سائر الرسائل في الخطاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى