أخبار المحافظة

صرخات مكتومة وقصص لم ترو.. شهادات عن وقائع اغتصاب وتعذيب في سجن “البيت الأبيض” بحجة

حجة برس – المصدر أونلاين ” سامية الأغبري- علي جعبور”:

في مديرية عبس بمحافظة حجة، يتناقل الناس قصصاً مرعبة عن ذلك المبنى الأبيض الجميل الذي يخفي وراء واجهته البيضاء سجنا مرعبا.

كانت العمارة في الأصل ملكاً لوكيل المحافظة في الحكومة المعترف بها دوليًا (أحمد الجبلي) قبل أن يستولي عليها المشرف الحوثي “أبو فردوس” مع عشرات من مسلحيه، محوّلاً إياها إلى سجن سري تُرتكب داخله أبشع وأفظع الجرائم.

من الخارج، يبدو المبنى كأي عمارة سكنية حديثة، لكن من الداخل، تحوّلت غرفه إلى زنازين مظلمة، أشبه بالقبور، لا يصلها ضوء ولا هواء. ولا يُسمع فيها سوى صرخات المعتقلين والمعتقلات.

تحولت تلك الجدران الجميلة إلى شهود صامتين على جرائم فظيعة ترتكب هنا!

يقول أحد أقارب الجبلي: “بعد أن نزحنا واضطررنا إلى مغادرة البلاد، اقتحم أبو فردوس وعناصره عمارتين لنا واستولوا عليها بالقوة وحوّلوا الغرف إلى زنازين.”

لم يعد “البيت الأبيض” مجرد سجن، بل أصبح رمزاً للقمع والوحشية، حيث يُمارس التعذيب والاغتصاب كأدوات للترهيب. الضحايا هنا لا يُعتقلون فقط، بل يتم تدميرهم إنسانياً، جميعهم في المنطقة، جميعهم يخافون فيصمتون!

سامية الأغبري- علي جعبور

من يكون أبو فردوس؟!

سلمان الهدوي، الملقب بـ “أبو فردوس”، ليس مجرد مشرف أمني عادي، بل هو أحد أذرع مليشيا الحوثي، ويدها القوية التي تبطش بها في المنطقة.

جاؤوا به من صعدة قبل الانقلاب بفترة بسيطة ونصب مشرفاً أمنيًا على مديريتي حرض وعبس وقرى المرزق والهيجة، يحكم بقبضة حديدية، ورغم إصدار الجماعة قرارا بتغييره إلا انه لم ينفذ، بسبب صلة القرابة التي تربط الهدوي بقادة الجماعة في صعدة.

تحت سلطته، تحوّلت حياة الناس إلى جحيم يومي فـ”حسن” (اسم مستعار) يروي كيف يعيش السكان في المناطق الخاضعة يديرها أبو فردوس كما لو كانوا في معتقل كبير، حيث التعذيب والاعتداءات ومصادرة الممتلكات أصبحت جزءً من الروتين اليومي، وأي اعتراض أو تذمّر يُقابل بتهم معلبة “الانتماء إلى داعش”، ثم يلحقها الاعتقال والتعذيب، ومحظوظ من يخرج سالماً من سجونه.

المشرف الحوثي أبو فردوس أسس لنفسه إمبراطورية مالية ضخمة، قائمة على تجارة المخدرات، ومصادرة أراضي المواطنين وممتلكاتهم، وفرض ضرائب يومية على بائعي القات والبسطات.

ويدير سجونًا سرية، منها سجن “البيت الأبيض”، يمارس فيها هواياته بتعذيب المواطنين وترهيبهم.

مارس الحوثيون في معتقلاتهم أبشع أنواع التعذيب وهذا ما يؤكده آخر تقرير لفريق الخبراء المعني باليمن، وفقًا للتقرير، فإن الحوثيين مستمرون في تعذيب المعتقلين بوحشية كما أن الفريق حصل على هويات خمسة أشخاص توفوا تحت التعذيب خلال الفترة المشمولة بالتقرير- أي من سبتمبر/ أيلول 2023 حتى يوليو/ تموز 2024.

ويضيف: “يواصل الحوثيون تعريض المحتجزين للتعذيب والمعاملة اللاإنسانية والمهينة وتعرض السجناء لقلع الأظافر والصعق بالكهرباء والتعليق من القدمين والإعدام الوهمي، والتجويع، والمنع من استخدام المرحاض، ووضع المحتجزين في زنازين معتمة لفترات طويلة مما يؤدي الى اثأر نفسية وجسدية مثل الشلل وفقدان الذاكرة والعاهات البدنية والعمى.

وأفاد: “تشير التحقيقات إلى تعرض النساء للاعتداء الجنسي كشكل من أشكال التعذيب”.

في العام 2022 تحدثت وسائل إعلامية وحقوقية عن اختطاف عشرات النساء في محافظة حجة، وزج بهن في السجن المركزي بالمحافظة، بتهم ملفقة كالدعارة؛ وهي التهم التي توجهها غالبا الجماعة للنساء.

ولم تتحدث تقارير لاحقاً عما حدث لهن، وما مصيرهن وما إذا كانت المنظمات قدمت العون لهن!

سهى قصة كل السجينات

كل ما يمكن تخيله من الجرائم ارتكبها المشرف الحوثي “أبو فردوس” في منطقة “عبس” بمحافظة حجة، ليس أولها الإتجار بالمخدرات ولا آخرها الاغتصاب، وهذه الأخيرة المسكوت عنها في مجتمع تحمل فيه الضحية العار لبقية حياتها دون ذنب، سوى أنها ولدت في مجتمع يدينها وهي الضحية كونها فقط امرأة، ويبرئ الجاني فقط كونه رجل وإن كان هذا الرجل صاحب سلطة ومجرم.

وعوضاً عن إنصاف الضحايا وتحقيق العدالة تضطر العائلات للصمت والتواري عن أنظار الناس بسبب الوصم، وربما تقتل غسلاً للعار، وفي أحسن الأحوال يتم التبرؤ منها، لتواجه المجتمع ومصيرها وحيدة بدون سند، وبالطبع يفلت المجرمون من العقاب.

التعذيب والاغتصاب لا يستخدمان كأداتين لانتزاع اعترافات أو قمع وقهر وتحطيم المعتقل، بل هما أيضًا، بالنسبة للحوثي، أداتا انتقام وتصفية حسابات مع الخصوم، كما حدث للناشطات في المؤتمر الشعبي العام بعد مقتل الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح.

ما يعني، ومن خلال الواقع، أن التعذيب في السجون الحوثية ليس سلوكاً فردياً أو منفصلاً عن العنف الممنهج الذي تٌمارسه الجماعة ضد المعارضين، وضد الآخر المختلف طائفيًا ومذهبيًا وحتى مناطقيًا.

هذه الممارسات هي جزء من أيديولوجيا الجماعة التي تكره هذا الآخر وتشرع في امتهان كرامته وتقمع حريته، فـ”أبو فردوس” وغيره من المشرفين إضافة الى الانتقام السياسي، هم لا يرون في السجينات سوى “عاهرات” يحق لهم استباحة أجسادهن بل ويقايضون الضحايا: “الجنس مقابل الحرية”، ومن ترفض تتعرض للتعذيب وامتهان كرامتها حتى تخضع.

في إحدى القرى المعروفة والفقيرة بحجة كانت تعيش سهى (إسم مستعار) مع عائلتها، حياة فقيرة لكنها هادئة، حتى جاء اليوم الذي قلب حياتها رأسا على عقب، فتح باب الجحيم عليها وعلى أسرتها وحتى اليوم لم يغلق.

كانت الفتاة (يحتفظ المصدر باسمها الحقيقي من أجل سلامة عائلتها) برفقة صديقتها في سيارة أجرة، عندما أوقف مسلحون يتبعون أبو فردوس السيارة وسُمح للفتاة الأخرى بالمغادرة، بينما اقتادوا سهى والسائق الى السجن بتهمة “الخلوة”.

أطلق سراح السائق لاحقًا، ولأنها من أسرة شديدة الفقر ظلت هي في السجن، يمارسون عليها شتى أنواع التعذيب والإهانات.

عندما اعتقلت الفتاة مطلع 2021 كان عمرها فقط 14 عاما! لم يكتفوا بذلك، وإمعانًا في إيذاء العائلة وإذلالها وحتى لا تتجرأ على المطالبة بإطلاق سراح ابنتها ومحاسبة من اعتقلها وحتى تفقد تعاطف أهل قريتها؛ أشاعوا في القرية أن الفتاة “عاهرة”.

انهار الأب تحت وطأة الصدمة وحين طالبته القبيلة بـ”غسل العار” بدم سهى فلذة كبده، رغم أن فحص العذرية – الذي أجبرت عليه الفتاة – أثبت براءتها!

حاول الأب إنقاذ ابنته وسمعة العائلة، فذهب إلى السائق يعرض عليه الزواج منها، رفض السائق لأنه متزوج ولديه عائلة ولا شي يجبره على الزواج منها، فهو كان فقط يقوم بعمله.

بقيت الفتاة في السجن لمدة عام بدون تهمة.

وفي زنازين ابو فردوس، يتناوب الجلادون على ممارسة هوايتهم في التنكيل بالمعتقلات (صباحا الزينبيات ومساء ابو فردوس) ضرب وتعليق على السقف، وحرمان من الطعام وشتمهن ووصفهن بــ”العاهرات”.

يقول شاهد: كان أبو فردوس يذهب ليلاً إلى سجن النساء، والفتاة التي تعجبه يطلب منها اللحاق به، بحجة التحقيق معها، لكن ما كان يحدث هو مساومتها “الجنس مقابل الحرية” وفعلا بعض الفتيات أجبرن على ذلك وأطلق سراحهن، لان من تتجرأ على الرفض يتم تعذيبها حتى تخضع.

يضيف الشاهد: عندما سئل مرة لماذا تذهب في هذا الوقت المتأخر من الليل إلى سجن النساء؟

للتحقيق. يجيب!

سهى التي بلغت هذا العام فقط الـ 18 سنة من عمرها كانت واحدة منهن.

اليوم، وبينما تحمل سهى في جسدها وروحها ندبة، وشهادة على جرائم فظيعة ترتكب بحق النساء وتدفع ثمنًا باهظاً من عمرها وحياتها وسمعتها لجريمة لا تعرف ما هي، يسرح ويمرح أبو فردوس في عبس فهو الدولة وهو القانون!

قبل إطلاق سراحها هددوها: “إن تحدثت عمّا تعرضتِ له ستعودين إلى السجن”. وخرجت من زنزانة صغيرة إلى سجن مجتمعي كبير، لا يقل بشاعة عن الزنزانة، أخفت مأساتها في صدرها، خشية العودة الى السجن.

ظلت تعاني بصمت، يأكل الصمت والحزن من روحها وصحتها، وأُجبرت على الزواج من رجل ستيني، وتخلت أسرتها الفقيرة عنها، وتركتها وحيدة لأنها لا تستطيع مواجهة “أبو فردوس” ولا المجتمع ، تُركت تواجه ظلم المجتمع وزوجها وأولاده.

تصالحت لاحقاً مع عائلتها وكانت تشكو إليهم ظلم زوجها وأولاده وكان جوابهم “اصبري هذا الذي قبل بك زوجة”.

أصيبت بأمراض نفسية وجسدية، رأت حريتها وخلاصها في الموت، حاولت الانتحار بشرب كمية كبيرة من الدواء لكنها نجت.

وأخيرا فتحت قلبها وباحت لإحدى قريباتها بكل ما حدث لها.

يضيف الشاهد: “هذه الأسرة دمرت تمامًا، هناك عشرات الضحايا مثل سهى، لكن لا أحد يستطيع تقديم المساعدة أو التحدث. والآن شقيقاتها الأصغر منها لن يتزوج بهن أحد بسبب وصمة العار، الأسرة كلها أدينت وحملت العار!

لم تكن جميلة (إسم مستعار) أفضل حالاَ وإن كانت أقل تعرضًا للتعذيب من سهى لان شقيقها (حوثي) ويعمل في تجارة المخدرات، اعتقلت في عبس بعد فرارها مع شاب كان قد تقدم لخطبتها ورفضته عائلتها، بعد اعتقالها تبرأت منها العائلة، وأجبرت على الزواج بأحد السجانين، يكبرها بعقود.

“أبو فردوس” حول كثيراً من المؤسسات إلى سجون خاصة، وهو أكثر إجرامًا وقذارة من “سلطان زابن” مدير البحث الجنائي السابق في صنعاء (تابع للحوثيين) الذي كشفت تقارير دولية عن ضلوعه في انتهاكات فظيعة بحق النساء، قتل واعتقل وعذب واغتصب، كل هذا يحدث أمام مرأى ومسمع الناس لكن من يجرؤ على الكلام أو الاعتراض؟

“كثير من المآسي تحدث في عبس، والضحايا يخافون من التحدث حتى إلى أنفسهم عما يحدث لهم ولو أخبرتكم بكل القضايا في عبس ستصابون بالجنون!! انتم تقلبون علينا المواجع وأنا أحاول النسيان”. يختتم المصدر شهادته!

ثقافة العار

يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة تعز الدكتور ياسر الصلوي أن نظرة المجتمع اليمني للمرأة المغتصبة تتأثر بالأساس بنظرة المجتمع الأبوية التي تنعكس على كل سلوكيات وتفكير أفراد الأسرة، حيث تُعامل المرأة في المجتمع اليمني بدونية، ما يؤدي إلى إلقاء اللوم عليها وتبرئة الجاني، بمعنى آخر المجتمع يدين المرأة ويلحق بها كل السلوكيات والممارسات حتى تلك التي لم تكن مسؤولة عنها ويترك الجاني بدون محاسبة.

ويرجع الصلوي سبب تحميل المرأة المسؤولية إلى تدني مستوى الوعي والتعليم في المجتمع. يضيف: “مجتمع يرى أن عفة المرأة هي أغلى ما تملكه، مثل هذه الجريمة تؤثر نفسيا على الضحية -اكتئاب، قلق- يرافقاها طوال حياتها إن لم تتلق العلاج المناسب، ويؤثر اجتماعياً على أسرتها (عار و خزي وانكسار أمام بقية أفراد المجتمع) فتلوذ العائلات بالصمت، وبعضها ربما تذهب بعيداً عن القيل والقال ومن الوصمة المجتمعية التي قد تؤثر أيضا على فرص ارتباط فتيات أخريات في العائلة، يغادرون منطقتهم إلى منطقة أخرى.”

وشدد أستاذ علم الاجتماع على ضرورة تضافر الجهود لمواجهة ثقافة الصمت والشعور بالعار ومن أجل تطبيق القانون، وتوعية المجتمع، ودعم الضحايا نفسياً وقانونياً، وبتعاون مؤسسات حقوقية وحكومية وإعلامية ودينية وتعليمية.

وأردف: “كسر الصمت ضروري، ومعاقبة الجناة لإنصاف الضحايا وخفض معدلات الجريمة”.

وحول جرائم الاغتصاب في التشريعات اليمنية، توضح المحامية سماح سبيع أن الجريمة هنا ضد فتاة حجة جريمة مركبة (اختطاف قاصر وهتك عرضها واستخدام سجن خارج القانون) “إضافة إلى فحص العذرية، هذه من الجرائم عقوبتها مشددة”. أضافت سبيع.

وتابعت: “وفق المادة 249 من قانون العقوبات إذا رافق الاختطاف إيذاء القاصر، تصل العقوبة إلى سجن مالا يزيد عن عشر سنوات وقد تصل العقوبة إلى الإعدام إذا ارتكب الخاطف أيضا الزنا”.

تواصل: “المادة ٢٤٦ من القانون تعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات من قبض على شخص أو حجزه أو حرمه من حريته بأية وسيلة بغير وجه قانوني وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات إذا حصل الفعل من موظف عام أو بانتحال صفته أو من شخص يحمل سلاحا أو من شخصين أو أكثر أو بغرض السب أو كان المجني عليه قاصرا أو فاقد الإدراك أو ناقصة أو كان من شأن سلب الحرية تعريض حياته أو صحته للخطر، ووضحت المادة 269 من القانون عقوبة المغتصب ومغتصب القاصر ،ووفقا للمادة 272 يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات كل من هتك عرض إنسان حي بالإكراه أو الحيلة أو إذا كان المجني عليه أنثى لم تتجاوز خمس عشرة سنة..الخ

مسالخ بشرية

أحمد ( إسم مستعار) لازالت آثار السياط والكهرباء على جسده، مطلع مارس/ آذار 2016 اعتقل من أحد المحلات التي كان يعمل فيها بعبس.

يقول: جاءت سيارة فيتارا سوداء كان بداخلها (مجاهد النشري وأبو خالد الشرفي) اقتادوني إلى مدرسة 22 مايو وهناك حبسوني، ثم جاؤوا ليلاً وغطوا على رأسي، وذهبوا بي إلى سجن البيت الأبيض التابع للمشرف الحوثي أبو فردوس.

يتحدث عما شاهده: “وجدت هناك الكثير من السجناء، غرف مظلمة مخيفة صرخات ناس يتعرضون للتعذيب في غرف التحقيق، وجدت الكثير من أبناء حجور يتعرضون لشتى أنواع التعذيب والإهانات، عرفت بعضهم مثل (ع .ن ، وح. م، ع .ث، أ. م ، و.ذ) وكثير لا اعرفهم.

يتابع:” في الثانية من منتصف الليل قاموا بتكتيفي إلى الخلف، وعصبوا عيني بقطعة قماش واقتادوني إلى غرفة مظلمة.

قام أبو فردوس وخالد الشرفي (شقيق أبو إدريس أحمد الشرفي) بتعذيبي أنا وثلاثة آخرين (نتحفظ عن ذكر الأسماء لأننا لم نستأذن نشر الأسماء) ثلاثة أيام متتالية من التعذيب ظلوا ومنعوا عني الطعام، ثم تم نقلي إلى سجن المخابرات في محافظة حجة، وهناك كان التعذيب أشد” .

يتهم أحمد (ابو حسين عبد الله الفضلي) ومحقق آخر يدعى (حسين الغرباني) بتعذيبه حتى فقد وعيه.

يصف أساليب تعذيبه: “ست سنوات، كان يتم تعليقي على السقف وأنا مقيد اليدين، ثم يقومون بضربي بوحشية في الظهر، أصبت بمرض نفسي وأمراض جسدية، منعوا الدواء، كانوا يمنعوننا حتى من دخول دورة المياه”.

يشير إلى وفاة عدد من المعتقلين في سجون الحوثي في فترة اعتقاله “في سجن المخابرات بصنعاء مات تحت التعذيب مسعود يحيى البكيلي ومات يحيى حسن معضب من أبناء مديرية مستبأ، كما مات ثلاثة أشخاص تحت التعذيب (شوقي وقدري وعبدالله) وأصيب آخر بشلل نصفي وهناك من خرج من السجن فاقداً عقله أو بصره، وآخرين أصيبوا بفشل كلوي.

عانى سالم (اسم مستعار) الذي اعتقل أواخر سبتمبر/ أيلول 2016 كبقية المعتقلين، من وحشية الاعتقال التعسفي على يد جماعة الحوثي، حيث قضى ثلاث سنوات متنقلاً بين سجون مديرية عبس، منها عام كامل في الزنزانة الانفرادية بالسجن المسمى “البيت الأبيض”، وخمسة أشهر في مركز “تعليمي” حوله المشرف الحوثي أبو فردوس إلى زنزانة مظلمة مليئة بالقاذورات، دون تهوية أو فراش.

لـ22 يوماً متواصلة، تعرَّض سالم للتعذيب يومياً من الثامنة مساءً حتى الثانية عشر ظهراً. خلال التحقيق، كانوا يغطون عينيه بقطعة قماش، ويكبلون يديه بالقيود ويضعون حجراً إسمنتياً ثقيلاً بين القيود، ويجردونه من ملابسه، ثم يصبون عليه الماء البارد ويصعقونه بالكهرباء بينما يسبُّونه ويجبرونه على الوقوف لفترات طويلة.

وتضمن التعذيب صفعه على الوجه، نتف شعره، وتعليقه من السقف. كما كان الحراس يمنعونهم من النوم ببث (الزوامل) عبر مكبرات الصوت، ويجبرونهم على سماع خطابات الحوثي، وإذا اعترضوا اتُّهموا بـ”رفض ثقافة القرآن”.

حُرم المعتقلون من استخدام دورة المياه إلا ثلاث مرات يومياً، وممنوع عليهم مناداة الحراس إذا احتاجوا للذهاب إلى الحمام.

حتى منعت عنهم الأدوية، وحتى تلك المتاحة كانت منتهية الصلاحية. أُجبروا على النوم فوق بطانيات مبللة بالبول، ومُنعوا من أداء بعض الصلوات.

كان الطعام يُقدَّم مرتين فقط يومياً، وغالباً ما يكون زبادي أو خبزاً متعفناً أو منتهي الصلاحية. كما مُنع من الاتصال بعائلته، وسُرقت الأموال والملابس والطعام التي كانت تُرسل له من أهله.
ولم تسلم العائلات من أذى وإذلال الحوثيين، فكانوا يسرقون الطعام والملابس التي تحضرها له، ويخدعونهم بمواعيد زيارات وهمية، أو يسمحون بالزيارة ليلاً لأبيه فقط مع الربط على عينيه، وفي محاولة لتحطيم معنويات العائلات وللتخلي عن أبنائها كانوا ينشرون أكاذيب عن اعترافات أبنائهم بارتكاب جرائم إرهابية. هذه الممارسات الوحشية تكشف عن نظام تعذيب ممنهج، يهدف ليس فقط إلى إلحاق الألم الجسدي، بل إلى تحطيم الكرامة الإنسانية بكاملها.

كانت لحظات الأمل الكاذب والتلاعب بحريتهم أقسى ما عاناه السجناء، حيث اعتاد السجّانون خداعهم بوعود الإفراج المزيّف. فما إن يفرح المعتقلون ويستعدّون للعودة إلى أحبّتهم، حتى يكتشفوا أنها مجرد مأساة جديدة – يُنقلون مقيدي الأيادي إلى سجن آخر، وسط صفعات مهينة وشتم وإهانات لتحطيم كرامتهم.

تريد المليشيا من ممارستها تلك سحق الأمل في نفوس المعتقلين وسحق أرواحهم وصمودهم؛ يتلذذون حين يرون لحظات فرح المعتقل كيف تتحول إلى انكسار وذل!

جبايات وفديات وضرب وقهر

إحدى أدوات الحوثي المعروفة للحصول على الأموال هي ابتزاز المنظمات، وما قصة موظف إحدى المنظمات الدولية في محافظة حجة إلا واحدة من قصص الابتزاز التي حدثت في مناطق سيطرتها، وقع الموظف في فخ شبكة دعارة تديرها مليشيا الحوثي، اضطرت المنظمة بعد تهديدهم بوقف مشروعها دفع خمسة آلاف دولار لإطلاق سراحه وإنقاذ سمعته، كانوا قد هددوه بصور ومراسلات “إما تدفع أو سنفضحك”.

يقول سعيد (إسم مستعار) كان أخي 30 عاماً يستقل دراجة نارية في شارع بمنطقة اسمها “الهيجة” وقام أبو فردوس باعتقاله وسجنه في سجن (البيت الأبيض) وظل في السجن شهرين، ولم يطلق سراحه إلا بمقابل ألف ريال سعودي تحت مسمى (تأمين) للمشرف الحوثي، من أراد الخروج من الحدود يجب عليه دفع المال.

يقول جمال ( اسم مستعار) أبو فردوس هو حاكم المنطقة الفعلي ولديه سلطة يفعل بأبناء المنطقة ما يشاء، هو فوق كل السلطات، لا يخضع لأوامر القضاء ولا النيابات، حتى عندما تأتيه توجيهات من جماعته يتجاهلها.

اقتحم منزلي وقام باعتقالي واحتجازي لثلاثة أشهر بدون أي سبب!

التعذيب وإهانة وضرب المواطنين يمكن للهدوي فعلها بأي مكان وبأي وقت، حتى خارج معتقلاته، كان يضرب بالهراوات بعضاً من أبناء تهامة جهارا نهارا وأمام مرأى ومسمع الجميع ودون اعتراض من أحد.

أحد أبناء المنطقة يقول “منذ جاء إلى المديرية اعتاد في الشارع الاعتداء بالضرب بوحشية وبالفريقة (عصى خشبية غليظة) على المساكين من أبناء تهامة خصوصا في القرى.

حتى أنه يمنع زواج بنات المنطقة لآخرين من أبناء المنطقة الذين نزحوا إلى مدينة مارب، من يقوم بتزويج ابنته إلى مدينة مأرب يقوم باعتقاله، ومحظوظ لو خرج بضمانة ودفع غرامة لا تقل عن مائة ألف ريال”،

وأشار الى اعتقال قريبه لمدة شهر لأن ابنته تزوجت إلى مأرب ولم يطلق سراحه إلا بدفع المال.

وأردف: “ملف نهب الأراضي من الملفات الشائكة والمعقدة وحتى الخطيرة التي يمكن تعرض ضحايا النهب للخطر، البعض استعاد بيوته وأراضيه بدون محاكم مقابل مبالغ مالية، وآخرون ذهبوا إلى المحاكم، وعندما حجزت القضايا المنظورة أمامه للحكم، باعتبارها قضايا مدنية بجانب جنائي اعتداء على أملاك الغير، سارع أبو فردوس إلى استصدار توجيهات من هيئة التفتيش القضائي بعدم النظر في هذه القضايا لسبب أنهم (بعض أقاربهم) مع العدوان”!

هل يمكن محاكمة مرتكبي الجرائم دوليا؟

حول ذلك توضح المحامية سبيع قائلة: “لو كانت اليمن مصادقة على اتفاقية روما، كان من السهل أن يحرك المدنيون الذين تعرضوا للانتهاكات والجرائم من قبل جماعة الحوثي، دعاوى أمام القضاء اليمني بداية، وإذا كان القضاء اليمني متقاعساً أو غير قادر على محاكمة هؤلاء لأي سبب، يمكن إحالة هذه القضايا إلى محكمة الجنايات، لكن للأسف اليمن غير موقعة على الاتفاقية”.

تضيف “صحيح هناك شروط وهي شروط أحيانا صعبة لكن كان بالإمكان لو أننا مصادقين على الاتفاقية لكن للأسف اليمن غير مصادقة، يمكن المحاكمات عبر مجلس الأمن وفق شروط معينة، وتكون جرائم واضحة وممنهجة وموثقة. وربما في اليمن هذا مستبعد لأنه لم يكن هناك عمل بشكل مهني، ولم يكن هناك توثيق دقيق، لم يقم البعض بعمله كما يجب، وتحريك القضايا أمام مجلس الأمن يحتاج إنشاء محكمة خاصة باليمن وهذا أمر مكلف”.

وعما إذا كان مواطنون قد رفعوا دعوى ضد قيادات حوثية، تقول سماح: “هناك دعاوى رفعت ضد بعض المشرفين الحوثيين- صحيح ليسوا قيادات كبيرة- لكن احدهم كان مشرفاً والآخر كان أحد المنتمين إلى جهاز الأمن الوقائي وآخر حوكم بتهم اغتصاب طفل، وكانت القضايا تسير وفق الإجراءات القانونية؛ لكن للأسف العائلات في اللحظات الأخيرة تتنازل عن القضية”.

“في الأخير الحقيقة أنهم لم يعاقبوا”. عقبت

تحمل سماح الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية مسؤولية تمادي الحوثيين في ارتكاب الجرائم “في الواقع لم نجد الحماية، ما وجدناه فقط الشجب والتنديد، والشجب لا يوقف الجرائم ولا يحمي المدنيين، كان بإمكانهم القيام بالكثير لحماية المدنيين”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى