القرشي في حوار مع “الصحوة نت” يكشف تفاصيل مهمة عن مسيرة الإصلاح منذ التأسيس
حجة برس – الصحوة نت:
خمسة وثلاثون عاماً مضت على تأسيس التجمع اليمني للإصلاح، الحزب الذي وُلد من رحم التحولات الكبرى في اليمن مطلع تسعينيات القرن الماضي، ليغدو خلال ثلاثة عقود أحد أبرز القوى السياسية الفاعلة على الساحة الوطنية. وبينما يحتفل الإصلاح اليوم بذكرى تأسيسه، تتجدد الأسئلة حول تجربته ومسيرته ودوره في الدفاع عن الدولة والجمهورية ومواجهة الانقلاب الحوثي.
في هذا الحوار الخاص مع الدكتور غالب القرشي، القيادي البارز وأحد مؤسسي الحزب، نستعيد محطات بارزة من مسيرة الإصلاح، ونقف على التحديات التي واجهها منذ التأسيس، كما نلامس رؤيته لمستقبل الحزب وللأوضاع الجارية حاليا في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ اليمن.
وفيما يلي نص الحوار:
خمسة وثلاثون عامًا على ميلاد الإصلاح.. ماذا تعني لكم اليوم هذه المناسبة؟
تعني لنا الكثير، فهي ليست مجرد ذكرى لحزب سياسي، بل محطة لاستحضار مسيرة نضال وطني شارك فيها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وحملوا همّ الوطن وهموم الناس بإخلاص.
هي ذكرى انطلاق مشروع وطني جمع بين الأصالة والمعاصرة، حمل راية التعددية، ودافع عن الديمقراطية، ووقف مع الشعب في كل المنعطفات الصعبة.
خمسة وثلاثون عامًا من التضحيات، من بناء الإنسان، من الدفاع عن الجمهورية، من الوقوف في وجه الاستبداد والانقلاب، من الانحياز الدائم لقضايا الوطن.
إنها مناسبة للتأمل والفخر، لكنها أيضًا لحظة للمراجعة والتجديد، حتى يظل الإصلاح كما وُلد: حزبًا وطنيًا، شعبيًا، منفتحًا، وفيًا لمبادئه وثوابته.
كيف تأسس الإصلاح؟ هل يمكن أن تعود بنا إلى البدايات؟
لا يمكن أن نتحدث عن ميلاد الإصلاح دون أن نعود إلى البدايات الأولى، فالأمر ارتبط بمسار طويل من الأحداث الوطنية. منذ ثورتي سبتمبر 62 في الشمال وأكتوبر 63 في الجنوب، حمل اليمنيون حلمًا كبيرًا ببناء مجتمع ديمقراطي وحدوي في ظل جمهورية واحدة. كان هذا الطموح حاضراً في وجدان الناس، وظل يتجدد مع كل محطة سياسية.
في تلك المرحلة، بدأت لقاءات بين ممثلين من الشطرين، منذ عهد القاضي عبد الرحمن الإرياني وسالم ربيع علي، وعُقدت اجتماعات في صنعاء وعدن وطرابلس والقاهرة. قطعوا شوطًا مهمًا نحو الوحدة، لكن اختلاف النظامين حال دون سرعة الوصول، فالجنوب كان يعيش تجربة اشتراكية، بينما الشمال يتجه إلى مسار أقرب إلى الرأسمالية. ثم جاء التغيير في صنعاء بإزاحة الإرياني وصعود مجلس قيادة جديد برئاسة الحمدي والغشمي ورفاقهما، وعادت جهود الوحدة، لكنها تعثرت باغتيال الحمدي وقصر فترة الغشمي.
لاحقًا، ومع استقرار نسبي، استؤنفت الجهود بوتيرة أكبر. كان الرئيس الراحل علي عبد الله صالح يطمح أن تتحقق الوحدة في عهده، وفي المقابل كان الحزب الاشتراكي يبحث عن مخرج سياسي بعد انهيار المعسكر الاشتراكي عالمياً، فلم يجد أفضل من خيار الوحدة.
ثم جاءت اللحظة الفاصلة في 22 مايو 1990م بإعلان الوحدة اليمنية، ومعها انفتحت البلاد على تجربة التعددية السياسية والحزبية. في تلك الأجواء شعرنا، ومعنا كثير من القوى الشعبية والوطنية، بضرورة تأسيس كيان سياسي إصلاحي وطني، يستوعب مختلف الشرائح ويعبر عن آمال اليمنيين في الحرية والديمقراطية. ومن هنا انطلقت فكرة التجمع اليمني للإصلاح.
ما الذي كان يدور داخل الأوساط القيادية والشعبية قبل إعلان الحزب؟ وما أبرز النقاشات التي مهدت لتأسيسه؟
في تلك الأيام، كان المشهد السياسي يغلي بالحراك والانتظار. الإرهاصات التي سبقت إعلان الوحدة والتعددية خلقت حالة من الترقب والشغف، فالجميع شعر أن اللحظة التاريخية قد حانت، وأنه لا بد من استثمارها سريعًا. كل حزب أو تيار بدأ يجتمع بقياداته ويشاور أنصاره ويعدّ عدته، حتى إذا أُنشئت لجنة شؤون الأحزاب كنا ـ مثل غيرنا ـ جاهزين بخطواتنا الأولى.
النقاشات لم تكن وليدة تلك اللحظة، بل امتدادًا لنشاط أحزاب وكيانات كانت تعمل في الخفاء، ووجدت الآن المجال لتخرج إلى العلن. كان هناك سباق واضح بين القوى السياسية: فالمؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي، وهما حزبا السلطة والوحدة، سعيا إلى تعزيز نفوذهما واستقطاب مزيد من القواعد، ومعظم موظفي الدولة كانوا بالفعل محسوبين على أحدهما.
في المقابل برزت أحزاب أخرى كانت تعمل سرًا: البعثيون، الناصريون، والتيار الإصلاحي، ثم الشيعة الذين صاغوا فيما بعد حزب الحق، إضافة إلى اتحاد القوى الشعبية. جميعها اندفعت إلى الميدان تبحث عن الرموز القادرة على ترجيح الكفة: العلماء، الشيوخ الكبار، أساتذة الجامعات، المعلمون، والطلاب، خاصة في الجامعات والثانويات.
وكان الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر محورًا لهذا التنافس؛ إذ رأى فيه كل طرف ما يجذبه إليه: البعثيون اعتبروه شريكًا أصيلًا في ثورة سبتمبر وحماية الجمهورية، الناصريون وجدوا فيه امتدادًا لمشروعهم، والتيار الإصلاحي رأوا أنه الأقرب إلى فكر الزبيري الذي أثر فيه كثيرًا، بل وكان من أوثق رجاله. أما علماء الشيعة فتوهموا أن بيئته الزيدية قد تجعله أقرب إليهم، لكن تاريخه ومرافقته للزبيري واحتضانه للعلماء والدعاة كان أبلغ رد على تلك الظنون.
وبين هذا التنافس، أعلن الشيخ عبد الله موقفه الحاسم: اختياره أن يكون مع الإصلاح. كان ذلك لحظة فارقة، فالإعلان لم يتم من فراغ، بل جاء تتويجًا لعمل دؤوب قامت به لجنة تحضيرية من ثمانية أشخاص. كنا نلتقي بشكل منتظم، نكتب ونتشاور ونصوغ، ثم نعرض في المساء على الشيخ عبد الله وكبار العلماء ما أعددناه. ومن خلال تلك الحوارات تبلور الاسم والشعار والنظام الأساسي، إلى أن انعقد المؤتمر العام الأول فأقر كل ذلك، وأطلق الإصلاح رسميًا ليبدأ مسيرته.
هناك من يربط تأسيس حزب الإصلاح بالرئيس الأسبق علي عبد الله صالح.. كيف تردون على هذه الرؤية؟
هذا الربط في حقيقته لا يستند إلى أي دليل موضوعي. من يذهبون إلى هذا القول يجهلون حقيقة الظروف التي صاحبت التأسيس، وربما بعضهم يبني تصوره على معرفة بوجود علاقات شخصية أو وظيفية جمعت الرئيس صالح ببعض الشخصيات التي ساهمت لاحقًا في تأسيس الإصلاح. تلك العلاقات كانت بالفعل قائمة قبل الوحدة، واتسمت بدرجة عالية من الصدق والاحترام المتبادل، وكان لها دور في تهدئة بعض المنعطفات حين كان الرئيس يواجه خصومًا أو تمردًا في بعض المناطق.
من هنا نشأ الظن لدى البعض أن الرئيس هو من دفع باتجاه تأسيس الإصلاح ليكون سندًا له أو حليفًا للمؤتمر الشعبي العام. لكن الحقيقة أن تلك العلاقات، على متانتها، لم تكن الأساس في نشأة الحزب.
من كان صاحب المبادرة الفعلية لتأسيس حزب سياسي يمثل التيار الإصلاحي آنذاك؟
التأسيس جاء نتيجة عمل منظم بدأته لجنة تحضيرية تشكلت خصيصًا لهذا الغرض، حيث تولت النقاش والإعداد والتشاور. لا يمكن أن ننسب الفكرة إلى شخص واحد مهما كان وزنه أو مكانته، فالمرحلة التاريخية نفسها هي التي فرضت وجود إطار سياسي منظم، والشورى كانت الأساس في كل خطواتنا المفصلية. ما جرى لم يكن بداية من فراغ، بل كان امتدادًا لعمل راسخ ومتجذر، جرى تطويره وإعلانه باسم جديد هو التجمع اليمني للإصلاح.
من هم أبرز الشخصيات التي ساهمت في تأسيس الحزب؟ وما الدور الذي لعبوه في رسم ملامح هويته الأولى؟
إذا نظرنا إلى الموضوع من زاوية تأسيس حزب جديد بلا جذور سابقة، فإن المؤسسين هم أولئك الذين عملوا على بلورة مقتضيات الحزب وصياغة إطار منظم يتلاءم مع المرحلة الجديدة. أما إذا أخذنا بالاعتبار أن هناك أساسات فكرية وتنظيمية سبقت الوحدة والتعددية، فإن المؤسسين هم مزيج من من سبقوا ومن التحقوا لاحقًا، ومعروفون لدى العامة والخاصة، خاصة بين العلماء والدعاة والسياسيين وأحزاب اليمن العريقة.
ولا مانع من ذكر من ساهموا في إخراج الحزب بثوب جديد يلائم متطلبات المرحلة، من كوادر وأدوات عمل مناسبة. فقد أشرت سابقًا إلى اللجنة التحضيرية التي ضمت ثمانية أعضاء، وهم: عبد الوهاب أحمد الآنسي، حمود هاشم الذارحي، حميد الأحمر، محمد قحطان، محمد فرحان عبدالسلام، غالب القرشي، عبد القادر القيري، برئاسة الشيخ عبد الله الأحمر، الذي كان له الفضل الأكبر في تحمّل تكاليف التحضير وفتح بيته لجميع النشاطات قبل افتتاح مقرات الحزب، كما استقبل اللجنة كل مساء لمتابعة تقدم العمل. إلى جانبه كان الأستاذ عبد المجيد الزنداني، وياسين عبد العزيز، وناجي عبد العزيز الشايف، ومحفوظ شماخ من كبار التجار، صاحب فكر ثاقب، و الأستاذ محمد اليدومي.
نعتبر هؤلاء المؤسسين للحزب بثوبه الجديد، حيث شكلوا اللجنة التحضيرية والمرجعية الفكرية للحركة.
أما من حيث الجذور الفكرية، فهي ممتدة إلى أعماق تاريخ الحركة الإصلاحية، التي بدأت منذ قرون، وإن كانت غير منظمة تمامًا. يمكن الإشارة إلى نشوان بن سعيد الحميري، والمقبلي، ومحمد بن إبراهيم الوزير، والأمير الصنعاني، ومحمد بن علي الشوكاني، وإسماعيل المقرئ، الذين خلّفوا إرثًا فكريًا إصلاحيًا سنّيًا أثر في أجيال لاحقة.
ثم أضيفت جذور فكرية حديثة، لا تقل أهمية، عبر اليمنيين الذين خططوا لثورة 26 سبتمبر 1962م، مثل الزبيري، والنعمان، وعبده محمد المخلافي، ومحمد عبدالله الفسيل، إلى جانب جنود مجهولين ساهموا في الحراك الوطني والإصلاح الفكري والسياسي.
هل يعني ذلك أن الإصلاح وُلد كامتداد لحركة إصلاحية يمنية سابقة، لا كتجربة سياسية منفصلة أفرزها التحول الديمقراطي؟
الإصلاح جاء جامعًا بين الأصالة والمعاصرة، فهو من جهة صدى لتجارب وجهود سابقة، ومن جهة أخرى تجربة عصرية ناضجة صالحة لأن تكون أساسًا لصياغة منهجه ونظمه. من يطلع على نظامه الأساسي وبرامجه ومناهجه ولوائحه يجد بوضوح أنه استفاد من تجارب السابقين، وفي الوقت نفسه أضاف بعدًا عصريًا يواكب متطلبات المرحلة.
إلى أي مدى أسهمت الخلفية الوطنية للإصلاح في صموده واستمراره في المشهد السياسي اليمني حتى اليوم؟
أسهمت الخلفية الوطنية الجامعة التي تأسس عليها حزب الإصلاح في منحه القدرة على الصمود والاستمرار، رغم التحديات والتحولات الكبرى التي شهدها اليمن خلال العقود الماضية. فقد التزم الحزب منذ نشأته بثوابت وطنية راسخة، وكان انحيازه الدائم لقضايا الشعب ومصالح الوطن هو مصدر قوته وتماسكه الداخلي. وعلى الرغم مما واجهه من حملات وتحديات، ظل الإصلاح فاعلًا في المشهد، يؤدي دوره من منطلق وطني مسؤول. ونحن في الإصلاح نؤمن بأن بقاء الأحزاب وقوتها مرهون بمدى ارتباطها بالناس وقضاياهم، ونأمل أن تسهم كل القوى السياسية في بناء وطن يتسع للجميع، بعيدًا عن الإقصاء والتهميش.
ما الذي ميّز الإصلاح عند تأسيسه عن غيره من الأحزاب اليمنية؟
تميز التجمع اليمني للإصلاح عند تأسيسه عن بقية الأحزاب اليمنية بجذوره الفكرية المتوازنة، التي جمعت بين الهوية الإسلامية والانتماء العروبي والالتزام بالأعراف اليمنية الأصيلة. كما اتسم بالثبات على المبادئ، ورفض المقايضة بالمصلحة الشخصية على حساب الانتماء الوطني، وقدم تضحيات كبيرة دفاعًا عن القيم والعقيدة والوطن. ورغم ما واجهه من تحديات واختلافات داخلية، حافظ على تماسكه التنظيمي، ما عزز من قدرته على الاستمرار والتأثير في الحياة السياسية.
منذ تأسيسه، واجه الإصلاح حملات تشويه وانتقادات متكررة.. ما تفسيركم لأسباب ذلك؟
يعود ذلك إلى عدة أسباب؛ في مقدمتها المكانة الجماهيرية الواسعة التي حظي بها الحزب منذ وقت مبكر، وما رافقها من إقبال شعبي كبير، وهو ما أثار حفيظة بعض القوى السياسية التي رأت فيه منافسًا جادًا. كما أن النجاحات التي حققها في المجالين السياسي والاجتماعي عززت من حضوره، لا سيما أنه اعتمد على امتداده الشعبي ومصداقيته، لا على أدوات الدولة أو إمكاناتها.
كذلك، كان لاستقطابه شخصيات بارزة وفاعلة من مختلف فئات المجتمع – من علماء ودعاة وتجار وأكاديميين، وحتى عسكريين وطنيين – دور في منحه ثقلًا نوعيًا لم يكن مقبولًا لدى بعض الأطراف. وتضاف إلى هذه الأسباب ظاهرة “الغيرة السياسية”، وهي سلوك مألوف في بيئات التنافس ، فضلًا عن ذلك، توجد أسباب أخرى مرتبطة بطبيعة الصراع السياسي في اليمن والمنطقة، ويدرك أبعادها المتابعون بدقة للمشهد السياسي.
.
كيف تعامل الحزب مع تلك المكايدات وأصحابها؟
تعامل الإصلاح مع مختلف حملات المكايدة والتشويه بحلم وسعة صدر، متجنبًا الانجرار إلى ردود الأفعال المتشنجة، ومعتمدًا منهج العفو والتسامح. وقد تجلّى ذلك في مواقف عديدة عبّرت عن سياسة ثابتة انتهجها الحزب منذ تأسيسه، تقوم على التسامح مع الخصوم وتغليب مصلحة الوطن على الحسابات والمكاسب الحزبية الضيقة.
ما طبيعة علاقة الإصلاح مع القوى والأحزاب اليمنية في مسارات التنافس والتعاون عبر المراحل المختلفة؟
يمكن القول إن العلاقة التي جمعت الإصلاح ببقية القوى السياسية كانت علاقة أخوية راقية، وإن تخللتها محطات تعاون وتنافس. ولعل أبرز تجسيد لذلك هو تأسيس اللقاء المشترك الذي ضم الأحزاب ذات الحضور الشعبي، حيث اتفقت على ثلاثة أهداف كبرى:
- كبح الاستبداد.
- ترسيخ وتقويم العمل الديمقراطي الشوروي.
- الحيلولة دون توريث الحكم في مجتمع جمهوري وحدوي.
صحيح أن الأهداف لم تتحقق كاملة، لكنها شكّلت إطارًا للتعاون الوطني المشترك. ومع ذلك فإن التعاون لم يكن مانعًا للتنافس، بل ظل التنافس السياسي والانتخابي حاضرًا، وهو أمر مشروع دستوريًا، وضروري شعبيًا وحزبيًا، لأنه علامة صحة لأي تجربة حزبية حقيقية. فالأحزاب وُجدت لتقدّم برامج وخططًا وتتنافس على تنفيذها. ومن دون هذا التنافس لا معنى للتحزّب ولا للحياة السياسية.
كيف تقيمون دور الإصلاح في الدفاع عن الدولة والجمهورية ومواجهة الانقلاب الحوثي؟
منذ ثورة 26 سبتمبر 1962، كان الإصلاحيون سندًا دائمًا للدولة، باعتبارها المسؤولة عن السلم والحرب والسياسة وإدارة البلاد. ولم يتخلَّ حزب الإصلاح عن هذا الدور في أي مرحلة من تاريخه، سواء في نشأته أو شبابه أو كهولته.
وعند انقلاب الحوثيين على الدولة والجمهورية واستيلائهم على مؤسساتها في العاصمة ومعظم المحافظات الشمالية، كان الإصلاح – كعادته – في مقدمة الصفوف المستعدة لمساندة الدولة والوقوف مع الشرعية.
لقد كان الإصلاح، وما يزال، جزءًا أصيلًا من الصف الجمهوري. وقد أدرك منذ اللحظة الأولى أن الانقلاب الحوثي لا يستهدف طرفًا سياسيًا بعينه، بل يستهدف الدولة اليمنية ومؤسساتها، والجمهورية التي دفع اليمنيون ثمناً باهظًا من أجل قيامها. ولهذا، تحرك الحزب ضمن اصطفاف وطني واسع، إلى جانب مختلف القوى والمكونات الوطنية، لدعم الشرعية ومواجهة هذا الانقلاب.
لم يكن لدى الإصلاح جيش خاص، ولم يسعَ إلى امتلاك أدوات صراع عسكرية، بل راهن على الدولة وجيشها الوطني، ودعا جماهيره ومؤيديه للوقوف خلفها والمشاركة في حماية الوطن من داخل مؤسساتها، لا خارجها. وقد لبّت قواعده النداء، وشاركت بكل ما تملك، جنبًا إلى جنب مع بقية الأحرار من أبناء الشعب اليمني، في معركة الدفاع عن الوطن. وكان الإصلاح دومًا في صف المساندة، ومن أوائل من قدّموا التضحيات ووقفوا إلى جانب الجيش والمقاومة الشعبية، انطلاقًا من واجب وطني وديني، لا من باب صراع حزبي أو طموح سياسي.
ما الدور الذي يمكن أن يلعبه الإصلاح في أي تسوية سياسية قادمة؟
يمكن أن يلعب التجمع اليمني للإصلاح دورًا محوريًا في أي تسوية سياسية قادمة، استنادًا إلى ما يتمتع به من أصالة فكرية، ووضوح في الرؤية، ووعي بمسؤولياته الوطنية. وقدرته على التأثير نابعة من تاريخه الحافل بالمواقف الوطنية، والتزامه بالعمل ضمن الشرعية الدستورية والقانونية.
وسيكون من أدواره المحتملة: متابعة تطورات المرحلة ومراقبة مسارات التسوية، والتشاور الداخلي لاتخاذ المواقف المناسبة، والحرص على التوافق مع المصلحة الوطنية العليا، دون السعي إلى تصدر المشهد خارج إطار مسؤولياته أو قدراته الواقعية. كما يُتوقع أن يلتزم الإصلاح بمبدأ الشورى والمؤسسية، وأن يراعي التوازنات الداخلية والإقليمية، ويتجنب الدخول في صراعات جانبية أو اتخاذ مواقف تصادمية لا تخدم مشروع الدولة والاستقرار.
كيف تنظر لتجربة الإصلاح في الحكم المحلي والعمل البرلماني والنقابي؟
تجربة الإصلاح في الحكم المحلي والعمل البرلماني والنقابي جاءت في بيئة صعبة، حيث لا تزال الممارسة الحزبية في العالم الثالث، واليمن جزء منه، تواجه تحديات كبيرة. فالكثير من الأنظمة رفعت شعارات الديمقراطية وضمّنتها في دساتيرها، لكنها منعت تطبيقها عمليًا من خلال القوانين والسياسات المُقيِّدة.
رغم ذلك، حرص الإصلاح على خوض مختلف الاستحقاقات الانتخابية بجدية والتزام، ساعيًا لتقديم نموذج إيجابي في العمل السياسي والتمثيلي، سواء في المجالس المحلية أو البرلمان أو النقابات. وقد تميز أعضاؤه بالصدق والإخلاص، وحرصوا على غرس هذه القيم في الجيل الجديد، وتقديم صورة نزيهة تحترم إرادة الناس.
ورغم أن أصحاب النفوذ والإمكانات، وغالبًا من يمتلكون أدوات الدولة، استحوذوا على النسبة الأكبر من المواقع، فإن ما حققه الإصلاح يُعد قاعدة يُبنى عليها مستقبلًا، ضمن رؤية إصلاحية مستمرة تسعى للنهوض بالوطن وتحريره من الجهل والفساد والاستبداد. نسأل الله أن يعيننا على إصلاح أنفسنا لتتغير أوضاعنا نحو الأفضل.
ما رسالتكم لجيل الشباب الإصلاحي في ظل التحديات الكبيرة التي تمر بها البلاد؟
رسالتي إلى شباب الإصلاح:
تمسّكوا بالمبادئ والقيم التي نشأتم عليها، والتي اخترتموها عن قناعة وإيمان. اجعلوا أعمالكم شاهدًا على صدق أقوالكم، وكونوا في طليعة العمل البنّاء، سواء في المجال التربوي، أو الدعوي، أو التعليمي، أو الإداري، أو في أي ميدان من ميادين الحياة.
تحلّوا بالتمييز في المواقف، ولا تجعلوا أفعالكم مرهونة بسلوك الآخرين؛ فالصواب يُتبع ولو قلّ سالكوه، والخطأ يُرفض ولو كثر أهله.
كونوا أصحاب مواقف أصيلة، تبادرون إلى الخير، وتدافعون عن الحق، وتتحملون مسؤولياتكم بإخلاص واستقامة، فأنتم أمل الحاضر وبناة المستقبل.