المتحدث الرسمي لحزب الإصلاح في حوار “موسع” مع “يمن ديلي نيوز”: لا يحتاج اليمن لمن يعرّفه بالإسلام
حجة برس – يمن ديلي نيوز- حاوره/ فؤاد العلوي:
قبل الانتقال لتسجيل الحوار مع المتحدث الرسمي لحزب التجمع اليمني للإصلاح “عدنان العديني” كانت الأسئلة معدة بصيغة مباشرة وبسيطة، مرتبطة بذكرى تأسيس الإصلاح الخامسة والثلاثين، وتداعيات المشهد السياسي والعسكري في البلاد، على اعتبار أنني سأتلقى إجابات مباشرة، كما هو شأن معظم الحوارات والتصريحات التي أجريتها.
مع جلوسي إلى جانبه بين مجموعة من الزملاء الصحفيين الذين كانوا يهيئون لحملة الاحتفاء بذكرى تأسيس الحزب 13 سبتمبر/أيلول بدأ متحدث الإصلاح في شرح دور حزبه كمعلم تولى مهمة نشر الوعي، وإسقاط الإمامة لاستكمال مسيرة الثوار الذين تولوا مهمة إسقاط الإمام.
طرح فلسفي عميق، وعميق جداً، وبالشكل الذي جعلني أشعر بالحرج من طرح تساؤلاتي التي أعددتها على طريقة (كلمة ورد غطاها) كما قال أحد الزملاء المتواجدين، وأدركت أن طرح تساؤلاتي، بعد مقارباته لدور الإصلاح كمعلم، سيكون كمن يجدف في الرمل، فيهيل الغبار على نفسه ولا يصل إلى غايته.
قلت له وللزملاء المتواجدين بصراحة ماذا عساي أن أناقش معك بعد هذا التأصيل، فأنا جئت لأسجل إجابات سريعة، وأعود لتبييضها ونشرها، لكننا دلفنا إلى الحوار بأسئلة لم تكن هي التي رسمتها، لكنها أجابت بعمق عن كثير من التساؤلات المرسومة مع أن الوقت لم يكن لصالحنا نظراً لموعد المقابلة التي جاءت في ذروة انشغالاتنا.
إلى الحوار:
- يرى البعض أن الاحتفاء بالأحزاب والعمل السياسي في ظل سيطرة البندقية على المشهد المدني، يعدّ ترفاً وهو طرح ربما له ما يبرره.. فما هي مبرراتكم أنتم للتمسك بالعمل السياسي والاحتفاء به؟
تكتسب المواقف صحتها من سياقها الزمني، فمع انتعاش الرغبات بالعودة لحكم الفرد بكل ما يرافقه من الذهاب بالبلد نحو مزيد من الانقسام وتكريسه، يصبح العمل السياسي ليس رأياً مطروحاً للنقاش ولا خياراً ممكن؛ بل واجباً سياسياً.
أساس العمل السياسي في النهاية متعلق بالإنسان اليمني قبل أن تكون ممارسة الأحزاب، متعلق بحق اليمني في أن يعيش داخل فضاء وطنه متخففاً من إكراهات الآخرين؛ سقفه سماء البلد وساحته جغرافيتها الدولة.
ما من سبيل للإبقاء على الإنسان وتثبيت حقه في التنقل على الأرض بحرية إلا من خلال السياسة؛ هل من أحد لديه طريق اخر؟
تمثل الانقسامات تحدياً يتعلق باليمني كإنسان يستحق أن يعيش بكرامة، حتى الخدمات التي قد تقدم لنا في حال تراجع الفضاء اليمني لن نحصل عليها كحق، فكل سلطة تنبذ السياسة لن تتعامل مع اليمني كمواطن له حقوقه وكرامته.
السياسة وإرادة الانسان
- في ظل التحديات الراهنة كيف يمكن للسياسة أن تعبّر عن إرادة الإنسان الحرة؟
السياسة في أصلها ليست مجرد أدوات للهيمنة أو للوصول إلى السلطة، بل هي تعبير عن إرادة الإنسان الحرة في تقرير مصيره، وصياغة واقعه، والمشاركة في القرار العام.
في الظروف الراهنة التي يعيشها اليمن، تصبح السياسة مطالبة بأكثر من مجرد تعبئة انتخابية لصالح هذا الحزب أو ذاك، إذ لم تعد الأولوية في لحظة الانقسام والحروب لإدارة التنافس بقدر ما هي لإيجاد صيغة عيش مشترك تحفظ كرامة الناس وتمنحهم أفقًا للأمل.
هنا تصبح السياسية غاية، بما هي غاية متصلة بحقنا الأصيل بأن نعيش داخل بلدنا باعتبارنا يمنيين وليس شيء آخر، هذا المعنى هو الذي نواجه به الواقع القاتم، وهذا المعنى هو الذي جعل الثورة على الإمام أمراً ممكناً في ظل واقع كان ضدها.
السياسة وخطاب الانقسام
- كيف يمكن للسياسة تجاوز خطاب الانقسام الذي نشاهده على الساحة الوطنية؟
السياسة اليوم ينبغي أن تكون فعلًا جامعًا، يركز على إعادة بناء الثقة بين الناس أولًا، وإقناعهم بأن لهم مصلحة مشتركة في بقاء وطنهم كإطار يضمن حياة كريمة للجميع. وهذا لا يتحقق عبر الخطابات التي تؤجج الانقسامات، بل عبر خطاب جديد يضع الإنسان ـ بما يحمله من حقوق وتطلعات ـ في قلب العملية السياسية.
فقبل أن تعلن الثورة عن نفسها في 26 سبتمبر، كانت قد سكنت الثوار، بدأت كغاية نابعة من ذات ترى نفسها أنها تستحق واقع غير هذا الواقع الذي يحاصرها، وبالتالي سعت لمواجهة هذا الواقع التزاماً بهذا الشعور الذي هو شعور الانسان الجدير بأن يكون حراً.
وبالتالي الواقع المنقسم هو تحدي وليس مُحدِّد؛ تحدي نتواجه معه، ليس من أجل مزيد من الانقسام، وإنما من أجل انقشاع هذه الحالة المنقسمة.
معنى السياسة كغاية
- أنت قلت إن السياسة غاية، كيف تكون السياسة غاية في ظل الوضع الذي نعيشه حالياً؟
السياسة ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لتمثيل مطالب مشتركة تجمع عدداً واسعاً من الناس، وتبلغ السياسة أرقى صورها حين تنجح في التعبير عن أصوات من لا نعرفهم شخصياً، وهو ما لا يتحقق إلا بقدر ما نحمله من إحساس عميق بالوطن وبكل من ينتمي إليه.
فالسياسة هنا ليست حكراً على الأحزاب أو المؤسسات، بل هي فعل الإنسان اليمني في جوهره. فالجندي الذي يقدّم دمه في مأرب وهو من المهرة، لا يعبّر عن موقف حزبي ضيق، بل يجسّد موقف اليمن كله. وهذه الروح هي ما يجب علينا حمايتها وصيانتها من التشوّه أو الاستغلال.
وكلما استطعنا أن نصون الإنسان اليمني ونحصّنه من الانقسامات وتداعياتها على الساحة الوطنية، فإننا نكون قد حفظنا البذور الأولى، أو الأساسات المتينة، لأي عملية سياسية حقيقية ومستقبلية.
إنجازات الإصلاح
- في ظل الاحتفاء الكبير الذي يظهر على وسائل التواصل الاجتماعي يتساءل البعض عن إنجاز الإصلاح الذي يستحق الاحتفاء به خلال مسيرته السياسية طوال 35 عام؟
إن أول مفاخر الإصلاح ومشاركته، تتمثل في إخراج العملية السياسية إلى العلن وربطها بالواقع وقضاياه المباشرة، وعلى خلاف توقعات الكثيرين، جاء اسم “الإصلاح” مرجحاً للاتجاه الواقعي الذي يؤكد أن السياسة لا تقوم دون الاعتراف بمكونات الواقع اليمني وإتاحة الفرصة لها للعبور والمشاركة في مختلف المستويات القيادية.
لقد شكّل الإصلاح بذلك حالة تصالحية مع المجتمع، أقرب إلى الانفتاح والاعتراف المتبادل منه إلى الاستعلاء أو الانغلاق. ومن هذا المنطلق، لم يجد الإصلاح حاجة إلى استخدام مفردة “الإسلامي” في اسمه، إدراكاً بأن اليمن بلد لا يحتاج لمن يعرّفه بالإسلام، وإنما لمن يعترف به سياسياً ويترجم قضاياه.
الإصلاح والاخوان
- وماذا عن ارتباطه بـ “الاخوان المسلمين”؟
لم يكن هناك مانعاً قانونياً لاعتماد هذه التسمية، فالتأثير الخارجي لم يستثنِ أحداً، غير أنّه لم يكن ليخدم تجربة سياسية وليدة تتطلع إلى أن ترى نفسها في قواها المحلية. وكان من الطبيعي أن نعمل جميعاً على دعم كل توجه سياسي يعكس واقعه الوطني، بدلاً من الإصرار على نسبته إلى الخارج، بما يحمله ذلك من إنكار للمجتمع اليمني ومقاومة لحضوره، وهو ما يضر بالعملية السياسية ويقوّض استقرارها.
مصالح الارتباطات
- أليس هناك مصالح تجنيها الأحزاب أو المكونات من امتداداتها الخارجية؟
المصلحة الوطنية تقتضي أن تعمّق الكيانات السياسية جذورها المحلية مهما بدت محدودة، وتدفع بهذه الاتجاه الذي كان الاصلاح سباقاً إليه، فلولا متطلبات الواقع القائم ما اندفع في تجربة اللقاء المشترك، والتي كانت أقرب لمصالحة تاريخية على قاعدة الاعتراف بالواقع.
كان شرط تجربة “اللقاء المشترك” مغادرة الماضي والنظر إلى الشركاء بوصفهم أبناء المجتمع، لا باعتبارها امتداداً أو واجهة لأفكار وتنظيمات خارجية، أياً كانت توصيفاتها، يسارية أو غيرها.
أولويات الإصلاح
- في ضوء ما تعيشه البلاد حالياً من صراعات.. ما هي أولويات الإصلاح في المرحلة القادمة؟
يجب أن تكون أولوياتنا مركزة على جعل الأداء الحكومي متوافقًا مع المعركة الوطنية، وسد الهوة بين الموقف الوطني المعلن والأداء الحكومي الفعلي، لضمان أن تكون التضحيات التي بذلها الشعب أساسًا لتحقيق الحقوق والخدمات وتحقيق العدالة الوطنية.
- كيف تتحدد الأولويات؟
عندما نخوض معركة، يجب أن تكون أولوياتنا متصلة مباشرة بالسبب الذي دفعنا إليها، وفي الوقت نفسه متجذرة بالمرجع الأخلاقي الذي يبرر فعلنا، والمستقبل الذي نسعى إليه.
- ماذا تعني بالسبب المباشر والمرجع والمستقبل؟
سبب هذه المعركة هو رفض نقل السلطة إلى الشعب وفقًا لمقررات ثورتي سبتمبر وأكتوبر، التي تشكلان الأساس المرجعي لانحيازنا وإصرارنا على نقل السلطة إلى الشعب.
موقفنا هذا بحد ذاته يعكس نوعًا محددًا من المستقبل، حيث لا يتمكن القادة الاستقرار في موقعه كحاكم بالاستناد الى مقررات مذهبية او حدود مناطقية.
- هل ترى أن هذا الخطاب مازال مجديا؟ ومن الذي يستمع إليه؟
نعم، ما زال مجديًا ومؤثرًا في قطاع واسع من اليمنيين الذين خاضوا معركتهم بصدق وما زالوا ثابتين على مبادئهم. فمن المعيب أن نقاتل من أجل نقل السلطة إلى الشعب، ثم ننسى ـ بعد كل هذه التضحيات ـ الهدف الأساس الذي خضنا من أجله هذه المعركة.
ومن المعيب أيضًا أن نرفع شعار الدولة التي تسعى إلى تحرير الإنسان وتمكينه من حقوقه التي سلبها الحوثي، ثم نعجز عن تطبيق هذا المبدأ في المناطق الواقعة تحت سيطرتنا.
الأمران متكاملان: لا معنى لتحرير الإنسان من سلطة جائرة إذا لم نمنحه على أرض الواقع ما نادينا به من حقوق وكرامة.
الإصلاح ومناهضي الحوثيين
- يخوض الشعب اليمني ومعه الإصلاح حالياً معركة مفصلية مع نقائض الجمهورية.. ما هي الأطر التي ينطلق منها الإصلاح في علاقته مع المكونات المناهضة للحوثيين؟
المعركة في جوهرها متعددة الأبعاد؛ فمن جهة هناك واجب حماية مطلب الشعب في أن يعيش حرًّا في مواجهة الحوثي، وإذكاء روح التضحية والفداء التي يتحلى بها اليمنيون.
ومن جهة أخرى، لا يمكن تجاهل من يسهمون في تقليص متطلبات المعركة أو في إضعاف غاياتها؛ إذ لا يعقل أن نطالب الشعب بخوض معركة مصيرية، ثم لا نوفر له الغطاء السياسي والوطني اللازم، وهو ما يفترض أن تقوم به الدولة في قيادتها لمعركتها الأساسية.
- ماذا تفعلون أنتم بالضبط لتحقيق هذا؟
نوسع صيغ العمل السياسي مثل إقامة التحالفات من أجل توفير الغطاء السياسي والوطني للعملية النضالية التي يقودها الشعب عسكريًا. فبدون هذا الغطاء، قد ينحصر الموقف الشعبي في مجرد فعل عسكري يفتقر إلى الغاية الواضحة والرؤية الجامعة، بينما المطلوب أن يكون النضال العسكري مسنودًا برؤية سياسية ووطنية تؤطره وتحدد أهدافه.
التحديات أمام الإصلاح
- سؤال: ماهي التحديات التي تواجهونها في حزب الإصلاح؟
أمامنا تحديان رئيسيان: الأول أن ينسى المسؤول الحكومي واجباته تجاه المعركة الوطنية، والأسوأ أن يتصرف بطريقة مناقضة لها.
أما الثاني، فهو أن ينسى الشعب سبب تضحياته، والأسوأ أن يُرهق بفعل طول المعاناة، فيقبل باستمرار أسبابها. فليس هناك إمكانية للتصرف بمعزل عن الهدف الذي من أجله نخوض هذه المعركة.
- كيف تعملون على مواجهتها؟
ما نقوم به في هذا السياق هو الحفاظ على ارتباط الإنسان اليمني بقضيته، سواء من موقعه في السلطة أو من موقعه داخل المجتمع.
فالمعركة التي نخوضها معروفة الأسباب، لكن الخطر يكمن في أن تؤدي ـ إن لم تُؤطَّر بالغطاء السياسي والمجتمعي المناسب ـ إلى تكريس الأسباب نفسها بدل حلها.
ومن هنا، تأتي أهمية إبقاء الوعي حيًا وربط الفعل العسكري بالغاية الوطنية التي تبرره.
- وما علاقة الغطاء والتحالفات السياسية بهذا؟
ألا تلاحظ حجم الانقسامات التي أصابت أرضية المجتمع وأضعفت جدار السلطة منذ سيطرة الحوثي على العاصمة صنعاء؟
في مواجهة هذا الواقع، لا خيار لنا إلا الاحتماء بصيغ عامة ومستقرة تمثل إطاراً جامعاً، وهو أمر ضروري لدفع الجميع نحو تجاوز الانقسامات. إذ بدون هذه الصيغ والتحالفات، سنكون أمام خيار وحيد هو الاستسلام لواقع مرفوض، وهو بالضبط الواقع الذي خضنا المعركة ضده منذ البداية.
مسؤولية الأحزاب
- يتجه كثير لتحميل الأحزاب السياسية والعملية السياسية التي شهدتها البلاد بعد عام 1990 مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، وما نعيشه حالياً من انقلاب على الثورة والجمهورية.. برأيك ما مدى صوابية هذا الطرح؟
لتقييم الأحزاب بشيء من الإنصاف، يجب النظر إلى موقعها وموقفها من المجتمع والحاكم، ومدى مساهمتها في تمكين الشعب والحفاظ على الدولة.
النقد وارد، لكن تحميل الأحزاب وحدها مسؤولية الأزمة الحالية هو تبسيط مخل للواقع السياسي، ويُغفل دور المجتمع وتفاعل القوى الأخرى في تحديد مجريات التاريخ السياسي للبلاد.
- من هي الأطراف الحقيقية في الصراع؟
هناك طرفان، هما المجتمع الذي قاوم ممارسات الاستبداد وسعى لتوسيع صلاحياته ليصبح شعبًا فاعلًا وقادرًا على المشاركة الحقيقية في الحكم، والحاكم الذي استسلم لرغباته الشخصية وحاول الاحتفاظ بالسلطة وصلاحياته إلى حد الانتقاص من الدولة ومؤسساتها، مما أدى إلى تضييق هامش مشاركة الشعب في صنع القرار.
- كيف ومتى تأسست هذه المعادلة؟
تأسست المعادلة عبر الثورة، التي أعلنت إسقاط الحاكم الفرد واعتبرت ذلك خطوة ضرورية لحكم الشعب. ومنذ ذلك الحين، أصبح للمجتمع الحق الكامل في ممارسة إرادته ومواجهة أي تفرد في الحكم، مما يوفر سندًا أخلاقيًا وسياسيًا لمواجهة أي محاولة لاحتكار السلطة أو تقويض مؤسسات الدولة.
تموضع الأحزاب
- كيف تموضعت الأحزاب في هذا السياق؟
يمكن فهم تموضع الأحزاب -بدون تسمية -من خلال ثلاثة أنماط رئيسية:
أحزاب اعتادت السلطة، وتمسكها المستمر بها أضر بالمجتمع. وعندما فقدتها لم تكتفِ بمعارضة الحكومة، بل عارضت الدولة نفسها، الأمر الذي أضعف المؤسسات الوطنية وفتح المجال أمام الانقسام.
وهناك أحزاب اعتادت البقاء في المجتمع، وتشبثها به أعاق في أحيان كثيرة قيام الدولة التي بقيت مطاعة على الدوام. وعندما وصلت هذه الأحزاب إلى السلطة بالقوة، أضرت بالمجتمع الذي اعتبرته غير جدير بتمثيل نفسه، مما خلق فجوة بين السلطة والمواطنين.
وأخيراً، هناك أحزاب تنقلت بين السلطة والمجتمع. فإذا كان هذا التنقل يتم بصورة سلمية، فهو مؤشر على نجاحها في الحفاظ على توازن العلاقة بين الطرفين.
غير أن المعيار الحقيقي يكمن في سلوك هذه الأحزاب عند فقدانها السلطة فيما هل ذهبت لمعارضة الحكومة أم لمعارضة الدولة؟ فذلك يحدد مدى التزامها بالمصلحة الوطنية بعيدًا عن مصالحها الضيقة.
- ماذا عن الإصلاح كمثال حي؟
الإصلاح جاء من المجتمع نفسه، ومن خلال العملية الانتخابية وصل إلى السلطة بشكل شرعي، وعندما غادرها بعد الانتخابات، لم يتصرف كعدو للدولة أو المجتمع، بل عمل على مسارين متوازيين:
المسار الأول يتعلق بتنمية الحس السياسي للمجتمع، بحيث يتحول المجتمع إلى شعب قادر على التعامل مع السلطة بمنظور جديد، لا يعتبرها مقدسة تستوجب الخضوع، ولا مدنسة تستوجب التمرد، بل يسعى للتعامل معها من خارج النقاشات المذهبية ومسلمات التجربة الثورية.
وقد ظهر الإصلاح منسجمًا مع المجتمع وتنوعاته بلا ذوبان ولا استعلاء، وفي هذا الإطار حرص على تنمية الحس السياسي من خلال المشاركة في كل جولة انتخابية، حتى في المراحل التي كانت النتائج محسومة مسبقًا، مؤكدًا بذلك على إبطال مفعول الإرث القديم والجديد، ولم يجعل الوصول إلى السلطة الهدف الأساسي من المشاركة الانتخابية، بل كان يقصد تقوية مركز المجتمع ومؤسساته من خلال العملية الديمقراطية.
وقد أضاف الإصلاح بعدًا إضافيًا للمجتمع من خلال سعيه لتشكيل جبهة المعارضة السياسية والحد من النزاع الأيديولوجي غير المجدي، مما أكسب المجتمع قوة إضافية، وعندما خرج الشعب إلى الشارع، لم يستجب الإصلاح للخروج إلا بعد كسر الانقسامات، وتمتد مبادرته على كامل الجغرافيا، وهذه علامة على قدرة المجتمع حين يريد أن يصبح شعبًا فاعلًا.
المسار الثاني يتعلق بمقاومة صلاحيات الحاكم من أجل تقوية منطق الدولة. فتعامل الإصلاح مع الحاكم لم يكن شخصيًا، بل استند إلى ضرورة حماية المجتمع من التوسع المفرط في صلاحيات الحاكم التي تحيله إلى ملحق بالسلطة، وكان على الإصلاح أن يحرس المجتمع ويضمن وحدة الساحة الوطنية، ويوسع ممر العبور إلى السلطة من خلال رفض قرار الانفصال وبناء جبهة المعارضة.
عداوته وتحالفاته وصياغته لجبهة المعارضة شكل الركيزة الثانية للنظام السياسي، الذي كان حتى تلك اللحظة أحادي القوام، وخصومته مع السلطة التي أزاحته لم تنعكس سلبيًا على موقفه من الدولة.
هذا الالتزام يظهر أن الإصلاح نموذج حي لكيفية الموازنة بين السلطة والمجتمع والحفاظ على الدولة مع تمكين الشعب من ممارسة إرادته.
- لكن دعني أعيدك إلى السؤال الذي طرحته سابقاً وهو إدانة البعض للأحزاب وتحميلها مسؤولية ما آلت إليه البلاد حالياً؟
هناك فرق جوهري بين نقد المواقف السياسية وبين العمل على تقويض التعددية نفسها. فالمسلك الثاني يفضي عمليًا إلى الإقرار ـ ولو ضمنيًا ـ بصوابية خيار الإمامة، وهو مدخل غير مناسب مطلقًا لمقاربة العملية السياسية التي تأسست أصلًا على حالة إجماع وطني بأننا جميعًا ننتمي إلى الجمهورية وإلى ثورة 26 سبتمبر.
وأي محاول للتشكيك في هذا الإجماع يعني تراجعًا خطيرًا عن الفكرة التي شكّلت نقطة الانطلاق للمسار الوطني.
- هل تريد أن تقول إن ذلك مساساً بالثوابت؟
فكرة الثورة والجمهورية بالنسبة لنا ليست مجرد خيار سياسي عابر، بل هي الفكرة التي أعادت ولادة الإنسان اليمني من جديد، وأطلقت معناه في الحرية والكرامة، ولذلك لا يمكن لنا التنازل عنها، ولا يحق لأحد أن يتنازل عنها. فهي من الناحية الوطنية ملكٌ للمجتمع اليمني كله، ومن الناحية الدينية تعبير عن كرامة الإنسان التي وهبها الله له، ولا يجوز المساس بها أو التفريط فيها.
أسباب عودة الامامة
- بما أنك تطرقت إلى عودة الإمام من جديد وأصبحت ثورة 26 سبتمبر في مواجهة معها.. لماذا تسللت الإمامة مجدداً إلى قلب الجمهورية؟
إصرار رجل السلطة على الاحتفاظ بالصلاحيات الواسعة وحرص رجل المعارضة على تمثيل الواقع المنقسم. فاذا كان الأول يلغي الدولة كمركز تضامن عام، جعله غير قادر على استيعاب كل الشعب؛ فإن الثاني أفقد الدولة أرضيتها الوطنية التي تقوم عليها.
- ماذا تعني بهذا؟
إن اختفاء الساحة التي يمكن أن يتجلى فيها المجتمع ويتخذ قراره السياسي المستقل، ويثبت أن اليمنيين شعب حاكم. فالساحة التي انفتحت بالتعددية سرعان ما تقلصت بفعل الصراع السياسي، وهو صراع نبت من أصل الأزمة الأولى، ثم بعد الوحدة اتخذ شكلًا ثنائيًا أتاح للإمامة أن تتسلل عبره.
لقد جرى نقل الصراع من مجاله الطبيعي ـ أي من الساحة السياسية المخصصة له ـ إلى ساحة المجتمع والدولة، وتم خوضه داخل مؤسسات الدولة السيادية وباستخدام المكونات الأولية للمجتمع. وكانت هذه أخطر لعبة في تاريخ البلاد، مارسها رجلا السلطة والمعارضة معًا.
جرى تجاوز الثورة شكلًا ومضمونًا. فالثورة لم تكن مجرد حدث سياسي، بل كانت قرارًا تاريخيًا أعلن سقوط الحاكم الفرد، مستندة إلى موقف أخلاقي سابق يقر بحرية الإنسان اليمني، وهو الموقف الذي منح الثوار تماسكهم وقدرتهم على إعلان ذلك القرار.
وكان الواجب بعد الثورة أن يُنقل هذا القرار إلى المجتمع ليمارس السياسة، وأن يُترجم ذلك الموقف الأخلاقي ليصبح ثقافة مشتركة بين اليمنيين. غير أن هذا لم يحدث، فوقعنا في أزمة خطيرة.
فالحاكم لم ينقل صلاحياته إلى المجتمع، بل استأثر بها ووسع من سلطاته. ورجل المعارضة، بدلًا من أن يساهم في نقل القرار إلى الناس، واصل تغذيته من واقع منقسم، الأمر الذي أدى إلى تهشيم وتهميش الموقف الأخلاقي للثورة.
وهكذا بقي القرار المعلن حكرًا بيد الحاكم، بدلا من أن يصبح ملكًا للمجتمع، مما دفع النخب المعارضة إلى إدارة معركتها من داخل واقع منقسم، بدلًا من أن تعمل على ترسيخ الموقف الأخلاقي المشترك في وجدان الإنسان اليمني.
لقد كان قرار التغيير الذي أعلنته الثورة ضد الإمامة فعلًا تاريخيًا مشروعًا، استمد شرعيته من المعركة التي خاضتها الحركة الثورية ضد حكم الإمامة. لكن هذا القرار، بدل أن يُنقل مباشرة إلى المجتمع ليصبح ملكًا له، ظل محصورًا في يد النخبة الحاكمة، لتبدأ من هنا رحلة الأزمة السياسية المستمرة.
الإصلاح والسعودية
- عن علاقة الإصلاح بالسعودية، نجد أن الحزب يولي هذه العلاقة أهمية خاصة جداً.. من أين ينبع هذا الحرص؟
تقوم علاقتنا بالمملكة العربية السعودية على قاعدة ثابتة وراسخة، مفادها أن الموقع الجغرافي لليمن يتحول إلى مصدر مكانة محترمة عندما يُدار بحكمة، وبما يخدم تطلعات شعبنا في النهوض، ويعزز في الوقت نفسه مصالح الجوار وأمنه.
لقد أثبتت التجارب أن كل من حاول تسخير موقع اليمن للإضرار بجيرانه إنما انطلق من سياسات تناقض جوهر الدولة اليمنية قبل أن تمس علاقاتها الخارجية. فالدولة لا تكون دولة إلا حين تنطلق برؤية متكاملة تراعي المصالح الوطنية ومصالح الجوار معاً.
تمثل جماعة الحوثي المثال الأوضح على ذلك؛ فهي لا تشكل خطراً على الأشقاء إلا بقدر ما توظف موقع اليمن لخدمة الأجندة الإيرانية، بينما لا تعود على اليمنيين بأي فائدة.
إن حزب الإصلاح يؤكد أن هذا الثابت سيظل هو الحاكم في العلاقة مع المملكة ومع محيطنا العربي، مهما تبدلت الأنظمة السياسية وتغيرت موازين السلطة. وسيبقى خيارنا هو بناء علاقات متينة تقوم على الاحترام المتبادل، وصيانة المصالح المشتركة، وحماية الأمن والاستقرار في المنطقة.
الفاتورة والكعكة
- يقول كثير من الإصلاحيين إن الإصلاح أكثر المكونات التي دفعت فاتورة الدفاع عن الجمهورية طوال العقود الماضية، لكن هذه الفاتورة تقابل بجحود كبير من شركاء العمل السياسي أبرز مظاهره حضوره الباهت في كعكة الحكم، ومع ذلك يصر الإصلاح على المضي بأقل المكاسب كما يقول أنصاره.. ماهي المكاسب التي تقاتلون من أجلها؟
المكاسب التي يناضل الإصلاح من أجلها ليسن مكاسب سلطوية أو مواقع في الحكم وإنما مكاسب وطنية عليا، تتمثل في بقاء الجمهورية وحماية الإنسان اليمني من العودة إلى مربع الاستبداد والإمامة.
فالسياسة في جوهرها تنشأ ما بين الواجب والحق؛ حيث لا يمكن أن نحصل على حقوقنا إلا بالقدر الذي نؤدي فيه واجبنا تجاه الوطن. ومن هذا المنطلق، يرى الإصلاح أن واجبه الأول هو الدفاع عن النظام الجمهوري، والتعددية، وحق الشعب في أن يكون مصدر السلطة.
وهذه القيم بحد ذاتها هي المكاسب التي يحرص على ترسيجها، حتى وإن كان حضوره في السلطة ضعيفًا أو باهتًا.
- لكن أنصار الإصلاح يرون أن الإصلاح لم يكافأ بقدر الواجب الذي قدمه؟
أنا أتحدث عن حقك في العمل السياسي بطريقة صحيحة، فالشراكة السياسية تتأسس على مشتركات وطنية، وبدون هذه المشتركات، فستبقى السياسة ملهاة، لذلك ظل الجهد الاصلاحي موجهاً لتجذير المشتركات الوطنية.
- ماهي؟
شعب واحد بنظام جمهوري يمنحه القدرة على أن يكون واحداً؛ مثال على ذلك الانتخابات التي كنا نخوضها، ونحن ندرك أنها تأتي لتمرين المجتمع اليمني على أن يعبر عن نفسه، وكنا نخوضها ونحن نعرف ميزان القوى حينها، وأنه غير مسموح بالاقتراب من السلطة.
- لماذا؟
كنا نريد فعلًا ترسيخ هذا الحق في وعي المجتمع، باعتبارهم أصحاب الحق، وهذا الأمر يحتاج إلى ممارسة وتدريب، شأنه شأن أي حق آخر، لأن السياسة تتطور بالمزيد من الممارسة، ونحن نتجه أساسًا إلى إعادة تسوية الملعب.
هذه وظيفة نؤديها رغم ما يواجهنا من تحديات، وذلك حتى نضمن أن يكون الحق الذي نمارسه في مستوى السلطة قائمًا على أسس صحيحة، وإلا يمكننا أن نسطو على السلطة مثل غيرنا، وبالتالي لن نكون قد قدمنا حلاً صحيحاً.
يمكن أن نكون كأي قوى طائفية أو مناطقية أو مذهبية أو قبلية، وسيكون حصاد هذا كبيراً بالنسبة لنا على المستوى اللحظي لكنه ضد اليمن، ولا أظن أننا سنكون في هذا المربع يوماً من الأيام؛ مربع أن نحصل على المكاسب أو أن تحكمنا المكاسب اللحظية.
تأثيرات الحرب
- كيف أثرت الحرب القائمة على الاصلاح والعمل السياسي بشكل عام؟
الحروب تؤثر دائمًا على المركز السياسي، فتضعف قدرته على اتخاذ القرار وتضعف أدواته؛ هذا الضعف يمنح المركز المشروعية، أي القدرة على الوجود والتأثير، ولكنه لا يمنحه الشرعية الحقيقية، وتشمل هذه المشروعية الدولة والأحزاب، ومع ذلك يلتقي الإصلاح مع الدولة اليمنية في نقطة أساسية، وهي حق الإنسان في أن يكون حراً.
هذه العملية تتم في قلب المجتمع، وموضوعها الأساسي هو الإنسان، ولأنه كان التركيز على الانسان، ولم تستطع كل الجهود في أن تحد من إمكانيه تعبير الاصلاح عن الحالة اليمنية من خلال الانسان اليمني.
العمل على بذور السياسة؛ أساسات السياسة، وهي استهداف الانسان نفسه، جزء من مواجهتنا للحالة القائمة.
نبذة تعريفية:
التجمع اليمني للإصلاح: حزب سياسي يمني تأسس في 13 سبتمبر/أيلول من العام 1990 برئاسة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، ويرأسه حالياً ،محمد عبدالله اليدومي، وخاض ثلاث دورات انتخابية برلمانية إضافة إلى دورتي انتخابات رئاسية ومحلية.
من خلال الانتخابات البرلمانية شارك الإصلاح في الحكم خلال الفترة من 1993 إلى 1997 ، وخرج من الحكومة عقب انتخابات برلمانية حصل فيها على 53 مقعداً تم ترشيحهم باسم الحزب و11 مقعداً تم ترشيحهم بأسماء مستقلة.
شارك حزب الإصلاح في تأسيس أحزاب اللقاء المشترك “تكتل لأحزاب المعارضة الرئيسية في اليمن” والذي ضم إلى جانب الإصلاح كل من الحزب الاشتراكي والتنظيم الوحدوي الناصري وحزب البعث العربي الاشتراكي وحزب الحق واتحاد القوى الشعبية اليمنية.
وفق نظامه الأساسي يهدف الإصلاح إلى العمل على تحقيق أهداف الثورة اليمنية، والحفاظ على النظام الجمهوري، والدفاع عن سيادة البلاد واستقلالها، وتعميق الوحدة اليمنية وضمان استمرارها وحمايتها، وتمكين الشعب من ممارسة حقه في تقرير شؤونه العامة، واختيار ممثليه.
كما يهدف إلى تعميق مبدأ الشورى والممارسة الديمقراطية في المجتمع لضمان تداول السلطة سلمياً، والإصلاح الإداري الشامل بإيجاد إدارة حديثة فعالة ترتكز على مبدأ الحياد في تقديم الخدمة العامة، ترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات وتحقيق العدل وإصلاح القضاء، وضمان سيادته واستقلاله ونزاهته.
ويعتمد الحزب لتحقيق أهدافه وفقاً لنظامه الأساسي ،كافة الوسائل السلمية المشروعة لتحقيق أهدافه وأهمها الوسائل والتدابير السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المشروعة، الاشتراك في مؤسسات الحكم، والدعوة للإصلاح الشامل على أساس عقيدة الأمة وشريعتها الإسلامية بعيداً عن التعصب المقيت.