كتابات

فزة الروح

محمد محسن يعقوب”وكيل محافظة حجة”:
—————
يحابيك ويجاملك من يحبك.. او يخافك
فالمحبون والخائفون كلاهما يستخدمون لغة المجاملة وعبارات الثناء..
ويقيمون نجاحاتك وإخفاقاتك بنفس الأسلوب و بذات الطريقة..

فنجاحاتك من صنعك ولولا انت وليس غيرك لما كانت ..
وإخفاقتك .. ليست منك ولها اسباب أخرى .. المناخ والريح والطير وكل عابر وحي وميت ..
في هذه الحالة يجب ان نستحضر قيم الواقعية المجردة
ووضع النفس المتضخمة في دائرة المسائلة و المكاشفة
واستقدام كل مؤشرات الحقيقية ومعاييرها..
وتفعيل أدوات الإستبصار..
ونصب ميزان العدل الذاتي ..
وتقييم الاداء ..
ومراجعة العيوب ..
ومعرفة نسبة انتظام الجوارح في مسالك الفضيلة
واتزان العاطفة ..
والقدرة على القوامة بالقسط..
والانصاف الفكري والمادي من النفس والأقربين ..
كل هذه من أهم وأسمى سلوك الروح وكل مفردة منها تمثل منهجية حياة .. ييسرها الله للمبصرون المستيقظون من عباده.

من يقفون عند حدود التقوى وينكسر غرور خواطرهم حين يذكرون بالله وتتلى عليهم آيته .. {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} حالة الإبصار سبيلها التذكر والتذكر مرتبة روحية وفكرية يلزمها سياج من التقوى.
إن حدود تأثير طائف الشيطان على نفس العبد وزيغها وغفلتها ضعيف وهزيل
التقوى سياج الدفاع الاجدر بهزيمته وإزالة آثاره ..
فهي تبعث حالة التذكر
وتدق ناقوس الخطر
وترمي بثقلها الدفاعي لحماية النفس والروح والعقل والضمير من الزيغ والانزلاق في طريق الغواية ..
ولهذا يكون حالة الإبصار .. وهي حالة التعافي وانقشاع الظلمة وتبدد الأغشية وانكماش المد الشيطاني واندحار طائفه وعودة الأمور إلى نصابها ..
إن هذا الغوص القرآني العميق في خفايا النفس وسبر اغوارها وتشخيص الداء ووصف الدواء في بضع كلمات… تجعل المتأمل يقف مبهورا من دقة المصطلحات وإحاطتها بالمعاني وتسميتها للحالة والفعل وأثر الفعل …
فالشيطان أقصى ما يستطيع فعله هو المس وهو اقل أثر من مصطلحات القبض و المسح واللمس والاصطدام والالتحام والتدافع .. فهو طائف لايمت إلى التأثير او الإستقرار أو الإستمرار أوالبقاء بشيء .. سوى التأثير اللحظي المؤقت العابر الطارئ.
اما حالة التذكر فكانت بدون حرف عطف وهي اسرع من ذلك فبمجرد المس ومرور الطائف الشيطاني كان التذكر “تذكروا” ..
حالة من السرعة والتوالي والتتابع تصف لحظة التذكر
وفزة الروح
وصحوة العقل
ووثبة الضمير
فيكون الإبصار .. وهنا كان التعقيب بالفاء السريعة المانعة للتاخير والتراخي بل تشد السياق نحو الفورية الزمانية والمكانية “فإذا هم مبصرون”.
الإبصار عنوان الانتصار على الشيطان ..
الاشراق بعد الانطفاء
التقدم بعد التقهقر
الوقوف بعد السقوط
الاقلاع بعد الوقوع
إن اخطر ما يمكن ان يتعرض إليه الإنسان من خداع هو ان يخدع في ذاته ويراها في حالة تضخم غير حقيقية ويشعر بقدرات هائلة غير موجودة وحين تنقشع غمامة الزيف هذه تكون الصدمة مدوية والوضع النفسي كارثي فتنشأ حالة حقد على ذاته وعلى كل من زيف له واقعه وقدراته.. بل نكسة وانحدار قد يؤثر على إيمانه بالله واليوم الآخر.
ولذا كان من دعاءه صلى الله عليه وسلم (اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين )
ودعاء ((اللَّهم إني أستهديك لأرشد أمري، وأعوذ بك من شر نفسي)
ودعاء (اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي، وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي).. فانسلاخ الانسان من ذاته وما يحيط بها من هالة يجعل كل اتكال عليها حافة انهيار مخيفة
والشعور بالرضا عنها تجني غير محسوب
والركون إليها تمسك بالسراب .
هل ندرك معنى أن نأمر بالاستعاذة من الاتكال على النفس طرفة العين ..هذه المدة الزمنية التي لا مجال لقياسها ولا يمكن الشعور بها او احتسابها ..
بصرنا يا الله بعيوبنا وقنا شرور انفسنا
وهدنا سبل السلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى