إيران والحوثيون.. شراكة في صناعة التجسس وقمع اليمنيين

عبد السلام الكاتب :
كغيرها من الكيانات المتمردة والجماعات الانقلابية والسلطات القمعية، سعت مليشيا الحوثي منذ اليوم الأول للانقلاب وحتى هذه اللحظة إلى إنشاء العديد من أجهزة الاستخبارات، وتوزيع مخبريها وجواسيسها في البلاد، بهدف فرض قيودها وإحكام قبضتها والإيقاع بالخصوم وتشديد الرقابة الأمنية على كل من تشك المليشيا بولائه، وجمع المعلومات عن كل مواطن ينتمي إلى هذا البلد.
وتأتي العديد من الجرائم والانتهاكات التي تنفذها مليشيا الحوثي بحق قطاع عريض من الشعب كواحدة من نتائج هذه الأدوار التي تقوم بها الأجهزة المخابراتية المتعددة التابعة للمليشيا، فما بين جرائم اغتيالات بحق العديد من الشخصيات البارزة، وحملات الملاحقة والاختطافات التي تقوم بها عناصر المليشيا على نطاق واسع، مرورا بتلفيق التهم وتوزيعها على العديد من أبناء الوطن، وحالة التوجس والريبة والقلق التي تعيشها المليشيا من كل من لا ينتمي إليها ولا يواليها، باعتبارهم خطرا يجب القضاء عليه والتخلص منه، نتيجة للانتشار الكبير لمخبري المليشيا وتوزيع الأدوار على عدد كبير من منتسبي تلك الأجهزة.
ويرى مراقبون أن لجوء المليشيا الحوثية إلى تكثيف أجهزتها الاستخباراتية، دفعها إلى تكليف كثيرين في هذه الأجهزة، ومن هم بمستويات متدنية من التعليم والوعي والثقافة، مع ما يحملونه من عقيدة عدائية للآخرين نتيجة التحريض والتعبئة التي تمارسها المليشيا الحوثية، وكان ذلك السبب المباشر في ازدياد الفوضى في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وارتفاع نسبة الجرائم والانتهاكات.
مهام قذرة
وتتعدد الأدوار والمهام التي تتولاها أجهزة المخابرات التابعة لمليشيا الحوثي، وغالباً ما تكون مزيجاً من المهام الأمنية والاستخباراتية والسياسية.
وتتمثل المهام الأمنية الداخلية في مراقبة تحركات الخصوم السياسيين والعسكريين داخل مناطق سيطرة الحوثيين، وتتبع المعارضين أو المشكوك في ولائهم من مسؤولين سابقين وناشطين وصحفيين ومشايخ قبائل، وزرع المخبرين في الأحياء والمؤسسات الحكومية والخاصة، بالإضافة إلى مراقبة وسائل الإعلام المحلية والأنشطة الثقافية والدينية.
كما تتولى تلك الأجهزة مهاما عسكرية واستخباراتية مثل جمع معلومات عن القوات الحكومية والتحالف العربي كالمواقع والعتاد والتحركات، كما تتولى أيضا تشغيل خلايا التجسس في المحافظات الخاضعة للحكومة الشرعية، واستجواب الأسرى للحصول على معلومات عسكرية، وتنسيق العمل بين المليشيا القتالية والوحدات الأمنية.
ولا تقتصر أدوار تلك الأجهزة على ما سبق ذكره فحسب، بل تشمل أيضا المهام السياسية والاجتماعية، كمراقبة أنشطة المنظمات الدولية والإنسانية، والتأثير على عملها بما يخدم المليشيا، والتحكم بعلاقات وولاءات المشايخ والوجاهات القبلية عبر الترغيب والترهيب، ومراقبة النشاط الاقتصادي والتجاري وفرض الإتاوات والضرائب غير القانونية.
كما تضطلع تلك الأجهزة في تجنيد النساء في ما يسمى بـ”الزينبيات” للقيام بأعمال التفتيش والرقابة داخل البيوت والمدارس والجامعات، إضافة إلى مهام أخرى تتولاها تلك الأجهزة كالمهام الإعلامية والحرب النفسية التي تشنها المليشيا، من خلال مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، وإنتاج الشائعات وتوجيه الحملات الإعلامية ضد الخصوم، والتضليل الإعلامي لتبرير سياسات المليشيا داخلياً وخارجياً، إلى جانب مهمة أخرى خاصة وأكثر سرية تتمثل في تنفيذ عمليات اغتيال وتصفية خصوم بارزين، وإدارة السجون السرية والتحقيقات الخاصة، والتعاون مع أجهزة استخبارات أجنبية للتنسيق الأمني والعسكري بما يصب في مصلحة المليشيا وخدمة سياستها.
صورة مكررة
وفور انقلاب مليشيا الحوثية على الشرعية سارعت إلى دمج جهازي المخابرات اللذين كانت الحكومة اليمنية تمتلكهما وهما جهاز الاستخبارات الداخلي والذي أطلق عليه مسمى “الأمن السياسي”، وجهاز الاستخبارات الخارجي والذي كان يسمى بـ”الأمن القومي”، إلى جانب دائرة الاستخبارات العسكرية، حيث عملت على إلغاء الجهازين ودمجهما في جهاز واحد أسمته “جهاز الأمن والمخابرات”، وعينت لرئاسته مجموعة من قيادات جهازها الأمني الخاص تحت إدارة القيادي الحوثي عبد الحكيم الخيواني.
ووفقا لمراقبين فقد استنسخت مليشيا الحوثي الهيكل التنظيمي لـ”حزب الله” اللبناني في بناء كيانها التنظيمي، وعملت تحت إشرافه أمنياً وعسكرياً.
وقد عملت المليشيا على إبقاء هذا الجهاز ووسعت من نفوذه ومنحته سلطة مراقبة عناصرها في إدارة المؤسسات الحكومية والمقاتلين في الجبهات، كما قامت باستحداث ثلاثة أجهزة تحاكي فيها النموذج الإيراني.
وعلى غرار ما هو حاصل في إيران وتحديدا وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانية، التي تعد الجهاز الرئيسي للمخابرات الإيرانية وهي مسؤولة عن الأمن الداخلي والخارجي، ومكافحة التجسس، وجمع المعلومات، فقد أنشأت مليشيا الحوثي “جهاز الأمن والمخابرات” محاكاة لذلك النموذج.
كما قامت المليشيا بإنشاء جهاز استخبارات جديد يحمل اسم “استخبارات الشرطة” الذي يتولاه القيادي علي حسين الحوثي نجل مؤسسها حسين بدر الدين الحوثي، وهذه الخطوة هي الأخرى التي تحاكي بها المليشيا منظمة استخبارات الشرطة الإيرانية، والتي تتبع قوات الشرطة، وتهتم بالقضايا الأمنية والاستخباراتية داخل إيران.
وهو الأمر ذاته فيما يتعلق بدائرة الاستخبارات العسكرية، حيث حُوّلت، بحسب مصادر إعلامية، إلى مكتب استخبارات شبيه بمكتب استخبارات الجيش الإيراني، والذي يتولى مهام جمع المعلومات العسكرية والاستخباراتية.
الأمن الوقائي جهاز آخر أنشأته مليشيا الحوثي إلى جانب بقية أجهزة الاستخبارات التي أنشأتها، حيث يعد هو الآخر مستنسخ من منظمة استخبارات الحرس الثوري الإيراني، ويلعب دوراً كبيراً في القضايا الأمنية والسياسية والعسكرية، إذ كانت مهمته في البداية هي حماية المليشيا من أي اختراق، ومتابعة ورصد أنشطة الأجهزة الحكومية، وهذا الجهاز يتبع ما يسمى “المكتب الجهادي”، الذي يخضع للسلطة المباشرة لزعيم المليشيا عبد الملك الحوثي.
وبحسب تقارير إعلامية فإن هذا الجهاز يعمل بشكل سري منذ العام 2004، والمسؤول عنه حسن عبد الله أحسن علي الحُمران، بمعاونة عبد العظيم العزي، وكلاهما من محافظة صعدة ومن الدائرة المقربة من زعيم المليشيا.
وتقول المصادر إن هذا الجهاز يعتبر الأقدم والأكثر سرية، فقد تأسس بعد مقتل مؤسس المليشيا حسين الحوثي لحماية عبد الملك الحوثي وعائلته، إلا أنه تطور لاحقًا ليصبح جهازًا استخباراتيًا داخليًا يتبع مباشرة ما يسمى “المجلس الجهادي” بإشراف عبد الملك الحوثي، حيث يعتمد على كوادر ذات صبغة عقائدية خضعت لتأهيل أمني مكثف في إيران ولبنان، ويضم ضباطًا مختصين بمكافحة الإرهاب والمنافذ وحماية الشخصيات.
وللمجندات نصيب
وبعد أن بقيت ما تسمى بكتائب الزينبيات لسنوات كشرطة نسائية قمعية، وظلت تُشيع الخوف في أوساط نساء اليمن، فقد تحول ذلك الفصيل مؤخرًا إلى جهاز أمني قمعي مستقل ينفذ المخططات برداء الحشمة والفضيلة.
وتقول مصادر إعلامية إن ذلك الجهاز يخضع هو الآخر لإشراف زعيم المليشيا عبد الملك الحوثي، وقد عيَّن مؤخرًا “أسماء حسين المؤيد” و”زهراء أبو طالب” لقيادة هذا الجهاز الأمني النسوي، وذلك عقب عامين من إخضاع عناصر وقيادات نسائية لتأهيل مكثف.
وطبقًا للمصادر فإن “اختيار زعيمتين سريتين لإدارة هذا الجهاز المؤلف من مجاميع الزينبيات جاء بهدف إدارة الملف الأمني في أوساط النساء في المؤسسات والجامعات ومدارس البنات وكل المؤسسات النسوية، وصولًا إلى اختراق زوايا الحياة الخاصة لليمنيين”.
وبعد إضفاء الطابع المؤسسي عليه كلّفت مليشيات الحوثي الجهاز النسائي الجديد بـ”طرق متعددة من المراقبة والملاحقة والتجسس على النساء وقمع أي مظاهرات أو اعتصامات نسائية على مستوى محدود كالمؤسسات، أو على المستوى الجماهيري كالمظاهرات في الشوارع”.
وتضيف المصادر ذاتها، أن الجهاز الأمني النسائي أصبح يتولى “رصد وتحليل آراء الأوساط النسائية على مستوى المدارس والجامعات والحارات، وغيرها من الدوائر التي تأتي في إطار نقل تجارب خارجية”.
كما يتولى الجهاز مهام “تنفيذ فصل النساء عن الرجال في كل المؤسسات التعليمية، سواء في الجامعات أو حتى المدارس الابتدائية على مستوى الأرياف، وكذلك مرافق العمل في الجهات الحكومية والخاصة، لا سيما صنعاء”، بحسب المصادر ذاتها.
وبحسب المصادر فقد “أرسلت مليشيا الحوثي دفعتين من عناصر جهاز الزينبيات إلى إيران بين شهري يوليو وأغسطس 2023 لتلقي دورات تدريبية ذات طابع أمني بالدرجة الرئيسية”.
وأضافت أن مليشيا الحوثي “أوفدت آنذاك 120 قيادية كن يعملن كقيادات أمنية مرتبطة بجهاز الأمن والمخابرات، وشاركن في تنفيذ مهام أمنية وتجسسية لصالح المليشيا في صنعاء منذ 2018”.
وعن آليات سفر الزينبيات أوضحت المصادر أنه جرى “خروجهن عبر دولة ثالثة بغطاء كونهن عوائل تابعة لقيادات في المليشيا الحوثية أو مرافقات لجرحى من عناصر المليشيا”.
وأشارت إلى أن “مليشيا الحوثي استغلت رحلات جوية كانت تصل إلى مطار صنعاء بموجب الهدنة الأممية لنقل القيادات النسائية تحت ذريعة أنهن عائلات قيادات حوثية تتواجد في إيران ولبنان”.
قلق بالغ
آخر هذه الأجهزة الأمنية والتجسسية التي أنشأتها مليشيا الحوثي لاستكمال حلقات الكبت والخنق وفرض الرقابة على الشعب هو إنشاء جهاز تحت مسمى “جهاز أمن الثورة”، والذي يتناغم مع الطموحات التوسعية للمليشيا المدعومة من إيران، بحسب تقرير جديد لمنصة “ديفانس لاين”.
وبحسب التقرير فقد عكست الخطوة محاولات المليشيا لتعزيز قبضتها الأمنية وتضخيم الهيكلة الاستخباراتية والأجهزة الأمنية لديها على غرار النموذجين الإيراني واللبناني، فيما يعتبره مراقبون مؤشرا على حالة الهلع والقلق البالغين من الأوساط المجتمعية لدى المليشيا الحوثية.
ووفقا للتقرير فإن الجهاز الجديد سيُكلّف بمهام إستراتيجية ومهمة تشمل توجيه الأداء العام للأجهزة، والتخطيط والرقابة، وتنسيق عمل بقية الكيانات الأمنية التابعة للمليشيا، بما يجعله كياناً أعلى نفوذاً ضمن مشروع ما تسمى “ثورة 21 سبتمبر” و”الرؤية الوطنية”.
وقد أشارت المصادر إلى أن الجهاز سيضطلع أيضًا بمسؤوليات تتصل بـ”الأمن الخارجي والإقليمي”، في سياق يتناغم مع الطموحات التوسعية للمليشيا، ويوازي من حيث الدور والهيكل وزارة الاستخبارات الإيرانية (الاطلاعات).
كما كشفت المصادر أن المليشيا كلّفت القيادي جعفر محمد أحمد المرهبي، المعروف بـ”أبو جعفر”، بقيادة الجهاز الجديد، حيث يُعد المرهبي من الشخصيات الأمنية النافذة في التنظيم الحوثي، وله سجل حافل بالنشاطات السرية المرتبطة بأجهزة استخبارات “فيلق القدس” الإيراني و”حزب الله” اللبناني، طبقا للمصادر.
انتهاكات واحتجاجات
وكان عشرات المختطفين في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع لمليشيا الحوثي في العاصمة صنعاء، قد بدؤوا إضرابًا عن الطعام للمطالبة بالإفراج عنهم وتحسين أوضاعهم الصحية.
وبحسب الصحفي فارس الحميري فإن نزلاء السجن الواقع في منطقة حدة (الأمن السياسي سابقًا) دخلوا في الإضراب في 21 من شهر أغسطس الجاري 2025، احتجاجًا على استمرار احتجازهم رغم انتهاء فترة محكوميات بعضهم، وحرمانهم من أبسط الحقوق، ورفض المليشيا توفير العلاج للمعتقلين المرضى.
وأضاف الحميري أن عدداً من المعتقلين تعرضوا للضرب المبرح خلال الإضراب، في حين منعت المليشيا الزيارات عن السجناء منذ أيام.
وبحسب المصدر فإن معظم المضربين عن الطعام من المعارضين السياسيين، إلى جانب آخرين تم اعتقالهم بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.